من أعلام الإمامية

أضيف بتاريخ 10/14/2018
Admin Post


للتحميل:

اضغط هنا

مقدمة 

كل إنسان هو تجربة في هذه الحياة! وهو حديث قد يُنقل فيما بعد! وكما قال الشاعر:

وإنما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن روى

والتاريخ إنما هو تراكم هذه التجارب الفردية، في مقاطع زمنية مختلفة، حيث تصنع بمجموعها صورة المجتمع.

ومن أكثر الأشياء تأثيرا في الناس هو قصص الناس!

قصص الناس تحكي تجاربهم، وكيف تعاملوا مع الحياة اليومية حتى جعلوها في حالة النجاح منصة انطلاق إلى الرقي! أو كانت تلك الحياة اليومية ومشاكلها كوابح لانطلاقتهم.

وقد يكون في قصص عامة الناس من المتعة الشيء الكثير. والتسلية اللطيفة، واللحظة التي ترتسم ابتسامة على الشفتين وانشراحا في القلب. وربما يكون لهذا السبب انتشرت كتب الروايات مع طول بعضها، وقد يكونفيها ايضا من الحكمة والمعرفة ما يغري القارئ بمتابعة القراءة.

إلا أن تجارب الناجحين تحمل بالاضافة إلى ما سبق ميزة أنها تقدم للانسان تجربة: ماذا ينبغي أن يكون؟ وكيف يحقق ذلك؟

واذا كان النجاح الدنيوي جديرا بأن تُتابع التجربة فيه وأن تتمثل، فإنه إذا اضيف إليه الفلاح الأخروي يكون أكثر جدارة بالمتابعة والنظر.

لهذا تعد قصص العلماء، وسيرة الفقهاء من أهم ما ينبغي متابعته، لكونها تجربة انسانية فذة تحتوي على عناصر مقاومة الانسان لعوامل الكسل، وضغوط الحياة، والتغلب عليها وصولا للإنجاز، على مستوى الفقاهةالعالية في أمور الدين، وإضافة علوم جديدة للمجتمع البشري.

بين يديك: عزيزي القارئ،عزيزتي القارئة. كتاب يحتوي سيرة رجال كنت أنا بين يديهم متأملا صفحات حياتهم، وطالبا في مدرسة سيرتهم، لمدة أربع سنوات
1429- 1433هـ، ألتقط من هذه الصفحة تجربة نجاح، ومن تلك معرفة علم، ومن ثالثة عظة وعبرة. لكي أقدمها بين يديك.

وهذه الصفحات وإن تحدثت عن أعلام المدرسة الإمامية وورثة الأنبياء في الحوزة العلمية على مدى عشرة قرون من الزمان تقريبا فإنها لم تشأ أن تعرضها ضمن إطار مذهبي خاص، فضلا عن الاطار الطائفي،وإنما حاولت قدر الإمكان أن تقدم خلاصة تجربة بشرية رائدة، تجربة العلم والكمال الأخلاقي، لكي يستفيد منها من ينشد هذين الهدفين.

 

(2)

لم يقتصر الحديث عن هؤلاء العلماء والباحثين على منطقة دون أخرى، فالنجاح والإنجاز لا جنسية له، ولا جغرافيا تحده، فقد تم الحديث فيه عن الكليني الإيراني، والحسن بن علي العُماني أول مرجعية شيعية،والعلامة الحلي العراقي، وابن أبي جمهور الأحسائي، والفاضل القطيفي الشيخ ابراهيم بن سليمان، والشهيد الثاني زين الدين العاملي اللبناني، والمحدث الفقيه الشيخ يوسف البحراني، ومعجزة الهند مير حامد حسينالنقوي، وهذا بالاضافة إلى أنه يشير إلى كون هذه الساحات المختلفة على امتداد العالم الإسلامي محضنا لفقه أهل البيتB، وموطنا لشيعتهم وأتباعهم. يؤكد للقارئ بأن المجد والتقدم ليس مقصورا على فئة دون أخرى{وَأَنْ لَيْسَ لِلاِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} (النجم: 39)، وأن ما يقال من تقدم (أو تقديم) أتباع هذه الجنسية على تلك، أو أبناء هذه القومية على تلك، ليس إلا تبريرا للفشل، وتكريسا للكسل!

ولم يقتصر الحديث في تلك الصفحات على الجوانب الشخصية والتجارب الفردية، بل تعداها ليتطرق إلى تقييم واستعراض بعض الكتب المهمة وميزاتها، ككتاب الكافي للكليني، ووسائل الشيعة للحر العاملي، وبحارالأنوار للعلامة المجلسي وجواهر الكلام للشيخ النجفي، وتحدث عن قصة كتاب المراجعات للسيد شرف الدين.

كما أشار وبالمناسبة إلى بعض القضايا التاريخية، ففي أثناء الحديث عن المسعودي صاحب التاريخ تم الحديث عن جده الصحابي عبد الله بن مسعود وشيء من سيرته ومواقفه، وفي وقت متأخر الحديث عن جذورالنزاع الطائفي في بغداد والذي أدى إلى هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف وتأسيس الحوزة فيها، وهكذا ناقش بشكل شبه مفصل دعاوى البعض بتعاون النصير الطوسي مع المغول، وأشار إلى السبب الحقيقي لسقوطالدولة أمام غزو المغول.

وأيضا كان من الطبيعي أن يتم الحديث عن بعض القضايا العقائدية والفكرية التي ترتبط ببعض الشخصيات المترجمة فتم مناقشة شيء من آراء الشيخ الصدوق المخالفة للمشهور كقوله بسهو النبيA، وبمناسبةالتطرق إلى بعض الشخصيات التي تبنت منهج الحوار العقائدي تم الحديث عن أسس هذا الحوار ومتى يكون نافعا، وضمن أي شروط يكون ضارا، وبيان المنهج الذي سلكه السيدان مير حامد حسين وشرف الدين فيهذا المجال. وبمناسبة ذكر المحدث البحراني كان هناك شرح لمواضع الإلتقاء والافتراق بين المدرستين الفقهيتين لدى الشيعة الأخبارية والأصولية.

وكان لا بد من ذكر بعض الأحداث السياسية، بمناسبة الحديث عن أبطالها، فتم الكلام عن ثورة التنباك وتصدي الميرزا الشيرازي لتحقيق استقلال اقتصاد ايران بافتائه ضد الاحتكار البريطاني، ولم يغفل استعراضقضية الثورة الدستورية التي عاش أيامها العلمان الكبيران: الآخوند الخراساني والسيد اليزدي، وكذا ثورة العشرين في العراق وتحريك العشائر ضد الاحتلال البريطاني.

 

(3)

إذا كان البعض من الناس يعيش في محيط يمتلئ بالنماذج غير الجيدة، فهذه ليست الصورة الافتراضية، وإنما الصورة الافتراضية القياسية هي هنا، وبمقدار ما تقترب تلك النماذج الموجودة على أرض الواقع من هذهالصورة القياسية تكون مقدرة ومحترمة.

ليس هذا الكتاب كتابا رجاليا بالمعنى المصطلح، ولا هو بحث في مسائل أصولية أو فقهية وإن كان أحيانا تتم الاشارة العابرة لبعض ما سبق، فليس الغرض منه ذاك، وإنما الغرض منه تقديم صورة واقعية قدرالامكان للفئة الشابة من أبناء المجتمع، بنين وبنات، في وقت تشتد الحاجة فيه إلى القدوات، ضمن الحالة البشرية العادية.

وبالرغم من أنه {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (سورة الأحزاب: من الآية 21)، إلا أن الشيطان ربما وسوس للانسان لكي يمنعه من الاقتداء والتأسي برسولA، بأن النبي معصوم، ومؤيد من قبل الله عز وجل، بل إن خلقتهتختلف عنا. فيأتي هنا بعد تصحيح الفكرة المذكورة، التوجيه إلى هذه الشخصيات بما هي متأثرة بهدي النبي المصطفى والأئمة النجباء، وهنا لا يستطيع الشيطان أن يعزل الانسان عن القيم الكبرى بزعم معصوميةالشخصية. فإن هؤلاء جميعا كانوا اشباها له، يعرض عليهم ما يعرض عليه!

ولأنه موجه للفئة الشابة فقد جاء في أسلوب متوسط يستطيع أن يتفاعل معه أكثر أبناء هذه الفئة.

ولا يخفى أنه لم نقم بتأريخ كل الشخصيات العلمية والفقهية، بل ولا كل الشخصيات المهمة منها لأن ذلك سيضاعف حجم الكتاب، ولا يناسب الغرض المقصود منه وهو إعطاء صورة إجمالية عن الشخصيات العلمية،وأن يسلط الضوء على حزمة من الأفكار التي تجلت تطبيقاتها في حياتهم ومسيرتهم. فتم الاختيار على هذا الأساس وحيث أن الغرض منه تعريفي وأخلاقي فقد لا يأتي مقياس الاختيار دقيقا وحادا.

 

(4)

قد يشكك بعض القراء في قسم من القصص المنقولة هنا، قائلين بأنه لا يمكن تصديقها، وأنها مما وضع على لسان الخطباء أو الكتاب في حق هذا وذاك. فما معنى أن يتحرج الانسان من أكل تفاحة في الطريق ويرىأن عليه أن يتحلل من صاحبها ولو بتحمل المشاق كما حصل لوالد الاردبيلي، أو أن يرى الامام الحجة كما في قضية بحر العلوم أو يحصل على رزق من غير سعي كما في غيرهما. وهكذا، فإن هذه كما يقولون مناصطناع الخطباء والوعاظ لأجل الترغيب في الأعمال أو تعظيم تلك الشخصيات!

والجواب على ذلك: أننا نعذر هذا القسم في تشكيكهم ويمكن لنا تفهم ذلك التشكيك، فإن الصورة الغالبة في هذه الأزمنة، ومستوى الالتزام بالقيم في هذه الأيام متدن إلى الحد الذي يكون فيه الصلاح غريبا فضلا عنأصل العدالة، فما ظنك بالعدالة في مستوى المقدس الأردبيلي؟

ما يؤسف له أننا نلاحظ لأسباب مختلفة لسنا في صدد بيانها أن هناك انطباعا غير حسن في دائرة واسعة عن الشخصيات الدينية، وطبقة المشايخ. يجعل الحديث عن العلماء يستدعي مثل هذه الصور.فذلك الذي يعاصرإمام جماعة حاد المزاج والأخلاق يرى فيه صورة جميع العلماء، والذي كان له مشكلة مع أحد الطلبة في جانب مالي، يرى في تلك المشكلة أخلاق كل طلاب العلم، وقد تتناقل هذه بين البعض من الناس خصوصاأولئك الذين يحرصون على أن تشيع هذه الأخطاء ليبرروا لأنفسهم القيام بما هو أعظم منها، على قاعدة (إذا كان رب البيت بالدف ضاربا).

إن المستوى الموجود في المعاصرين يختلف كثيرا عن المستوى الذي نتحدث عنه في هذا الكتاب.وإن بعض الأشخاص في تاريخ العلماء عُرفوا بأشياء لم يُعرف بها غيرهم، وكانت تلك الأشياء منسجمة تماما معمسيرتهم العامة. ولم يقتصر نقلها على طرف دون آخر، بل يكاد يكون الإجماع قائما عليها.فلقاء الإمام الحجة مثلا ذكر في حق المقدس الأردبيلي وبحر العلوم ولم يذكر في حق شيخ الطائفة الطوسي مثلا! وقصصالتقدس والتزهد ذكرت في حق الشيخ الأنصاري ولم تذكر في حق صاحب الجواهر النجفي! وهكذا.

ولو كان الأمر أمر اختلاق واصطناع لما اختلف الحال.

ثم إن تلك القصص في جانبها العملي والسلوكي، ليست بأعظم مما نجده في الجانب العلمي والنظري والانتاج الفكري الذي يكاد بعضه يلحق بالأسطورة، لولا أننا رأينا تلك الكتب والمجلدات بأعيننا.

وأخيرا.

أقدم الشكر الجزيل لكل من تعاون في مقدمات إعداد هذا الكتاب، وأخص الأخت الفاضلة السيدة علياء الفلفل وأخواتها الفاضلات، واللاتي لولا تعاونهن لما مثلت هذه الصفحات للطبع، فشكر الله سعيهن وأيضا للأخالكريم عماد الدبيسي الشكر والتقدير.

 

فوزي بن المرحوم محمد تقي آل سيف

تاروت ــ القطيف ــ شرق السعودية

9/ 4 / 1433 هـ

2/ 3 / 2012 م