12 تشريع صلاة المسافر والصلاة على الميت

أضيف بتاريخ 03/14/2024
|

تشريع صلاة المسافر والصلاة على الميت

تفريغ نصي الفاضلة ليلى ام احمد

تصحيح الأخ الفاضل سعيد ارهين

كتابة الاخت الفاضلة انتصار الرشيد

ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2112

تعميم حكم قصر الصلاة الوارد في الآية لكلّ سفر :

اختلف فقهاء المسلمين من الصدر الأول للإسلام إلى أزمنتنا المتأخرة حول دلالة هذه الآية ؛ هل هي ناظرة إلى صلاة الخوف أو إلى مايعمُّ صلاة المسافر سواءً كان خائفاً أو لم يكن خائفًا ، وبرز اتجاهان :

الاتجاه الأول: إنّ قصر الصلاة لا يكون إلا حال الخوف ولا يشرع القصر في صلاة المسافر في الحالة المطمئنة ؛ فدلالة الآية واضحة في إشارتها إلى حالة الخوف (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ).

الاتجاه الثاني : موضوعُ الآية هو عموم السفر ( إذا ضربتم في الأرض) .
والإشارة في الآية إلى حالة الخوف مردّها أنّ الظرفَ الذي نزلت فيه الآية كان ظرفَ خوفٍ وفتنةٍ من الكفار .
ومن المعروف أنّ سببَ نزول آيةٍ ما غيرُ مُقِّيدٍ لها زمانًا ولا مكانًا ولا حدثًا . وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بقولهم : إنّ خصوص المورد لا يخصّص الوارد .
فكثيرٌ من الأحكام في القرآن الكريم كان لصدورها مناسباتٍ خاصة ، وربما قضايا شخصية ؛ كقضية الظِهار الواردة في صدر سورة المجادِلة ؛ حيث صدر الحكم القراني لطرفي الحادثةِ وعمّم على جميع الأزواج الذين قد يقعوا في مشكلة الظِهار مستقبلاً .

القصرُ في الصلاة حالَ السفر رخصةٌ أم عزيمةٌ ( إلزامٌ ) ؟

رأي الإمامية :
القصر في الصلاة ليس موردَ تخيير أو رخصةٍ ؛ يمكن للمكلَّف العمل بها أو تركها . بل هو حكمٌ إلزاميٌّ ؛ فمن كان في سفرٍ – وفق الضوابط الشرعية – فتكليفه قصرُ الصلاة ، ولا يُقبلُ منه إتمامها .

إنّ آية قصر الصلاة تتعدى ظرف الخوف( مورد الآية وسبب نزولها ) إلى عموم ظرف السفر ذي المسافة المنصوص عليها ؛ باعتبارين :
الأول : موضوع الآية السفر بدليل : ( وإذا ضربتم في الأرض ) . وظرف الخوف عرضيٌّ لا يخصّص حكمها .
الثاني : السنة العملية الثابتة عن النبيِّ – ص- من أنّه قصر الصلاة في أسفاره المتعدّدة وفي حالةٍ من الاطمئنان البعيد عن الخوف .
إنّ أول تشريع للصلاة كان على أساس ركعتين لكلّ فريضة من فروض الصلاة الخمسة منذ ليلة المعراج . وعندما جاء النبي -صلى و الله عليه وآله- إلى المدينة المنورة أضاف ركعتين للظهر ، وركعتين للعصر ، وركعتين للعشاء ، وركعةً واحدةً للمغرب ، وأبقى الفجر على حالها .
هذه الزيادة التي زادت ( للظهرين والعشاء ) تُحذف عند السفر ، ويمكن أن يكون فيهما مجالٌ عند الشك فيها لإجراء وظيفة الشاك .

وسنة النبيِّ – ص- هي القصر في السفر حال الخوف أو عدمه ؛ وذلك محلُ اتفاقٍ بين المسلمين من مدرسة أهل البيت – ع – ومدرسة الخلفاء .

رأيُ مدرسة الخلفاء :

على الرغم من ثبوت السنة النبوية (عند مدرسة الخلفاء ) في قصر الصلاة للمسافر ؛ من خلال قصر النبيّ صلاته في أسفاره المتعددة ؛ إلا أنّ جلَّ علماء ومذاهب مدرسة الصحابة لا يرون القصر إلزامًا ، بل يعدونه رخصةً يمكن الأخذ بها أو تركها .

خلفيات التخيير في قصر الصلاة عند مدرسة الخلفاء :

ثبتَ أنّ القصر في الصلاة للمسافر سنةً نبويةً ؛ مارسها النبيُّ – ص- ، ومن بعده الخليفة الأول والثاني .
أما الخليفة الثالث فمارسها شطرًا من خلافته ثم عدل عنها ؛ حيث يُذكر أنه عندما كان يذهب إلى الحجِّ كان يُتمّ في عرفات و في منى . وقد لاقى اعتراضات من قبل باقي الصحابة حول هذا لأمر .
وكون القصر في صلاة المسافرسنةً نبويةً - عدل عنها الخليفة الثالث بعد مدةٍ من خلافته - ؛ ينقله محدثو مدرسة الخلفاء أنفسهم .

ومن ذلك روايةٌ عن عبد الله ابن عمر في صحيح البخاري، أنه قال صليتُ مع النبي صلى الله عليه وآله بمنى ركعتين وكذلك صليت مع أبي بكر وعمر ، ومع عثمان صدراً من إمارته ( أي الفترة الأولى من إمارته) مقصورة ركعتين ، ثمّ أتمّ ( فيما بعد ذلك ) هذه الصلاة التي صليتها مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر ومعه في صدر خلافته وإمارته وجعل الصلاة أربع ركعات.

ما الذي دعا الخليفة الثالث إلى التغيير والتبديل ؟!
لما كان فعلُ الخليفة مُخالفًا ؛ أصبح موضع إنكارٍ وتساؤلٍ من الصحابة ؛ فاحتاج – ذلك الفعل -إلى تبريرٍ وتوجيهٍ لنفي صفة المخالفة العمد عن صحابيٍّ في مكانة الخليفة الثالث عثمان بن عفّان ؛ خاصةً وأنّ رأي مدرسة الخلفاء في عمل الصحابي أنه حجةٌ .
ومن التبرير والتوجيه ما حكاه محمد بن شهاب الزهري - قاضي القضاة في زمان بني أمية- كما نُقل ذلك عنه في سنن أبي داوود ؛ حيث يقول أبو داوود ( عن الزهري ) أنّ عثمانَ إنّما صلّى في منى أربعًا لأنّه أجمع على الإقامة بعد الحج( أي أنّه نوى الإقامة بعد الحج عشرةَ أيام ) فأتمّ الصلاة.
والحقُّ أنّ هذا الرد غيرُ مقنعٍ مع تكرّر إتمام الصلاة من عثمانَ في السفر ؛ فليس متصوّرٌ أنّ كلّ أسفاره كانت نيته فيها مواصلة الإقامة .

وللزهري نفسُه توجيهٌ آخر لإتمام عثمانَ الصلاة في مِنى مفادُه أنّ الأعراب ( سكان البوادي ) كثُرَ عديدهم ( وهم مظنةُ ألا يفقهوا الأحكام الشرعية لسبب بعدهم عن حاضرة العلم ) وكان جمعٌ منهم في الحجِّ ؛ فأتمّ الخليفةُ عثمانُ الصلاةَ كيلا يتوهموا أنّ أصلَ صلاةِ الظهر ركعتين !

وهذا التوجيه غريبٌ جدًا وبعيدٌ عن الإقناع ؛ فمخالفة سنةِ النبيِّ لا تبرَّر بجهل بعض المسلمين بها . ثمّ إنّه غيرُ متصوَّر حتى من الأعراب جهلهم بعدد ركعات الصلاة في حال تمامها ؛ فيتمها الخليفة كيلا يظنوا أنها ركعتان في أصلها .

أمّا الفقهاء المتأخرون زمانًا من مدرسة الخلفاء فقد لجأوا إلى تأويلٍ تُعمَّم نتيجته على كلّ مكلّفٍ ؛ بدلاً من أنْ يكون توجيههم إعذارًا خاصًا للخليفة نفسه .