9 تحويل القبلة .. آراء وأدلة

أضيف بتاريخ 03/14/2024
|

تحويل القبلة آراء وأدلة

تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي
تصحيح أفراح البراهيم

ملاحظة : هذا جزء من المحاضرة , لقراءة المحاضرة كاملة من خلال موقعنا : http://www.al-saif.net/?act=av&action=view&id=2108

تحويل القبلة من القدس إلى مكة :

الحادثة بحسب ما نقلها أرباب الحديث والمؤرخون من الطائفتين تقول أنّ نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه و آله بعد قدومه إلى المدينة في السنة الثانية بعد غزوة بدر سنة اثنين هجرية كان يصلي في ذلك اليوم في مسجد لبني سلمة وهو المعروف الآن بمسجد القبلتين كان يصلي صلاة جماعة بالمسلمين حيث كان النبي أمامهم وهم خلفه وخلفهم النساء المسلمات ، بعدما أنهى الركعة الثانية من صلاة الظهر في نفس الصلاة نزل عليه جبرائيل وأخذ بيده ودار به حتى أصبح مقابلًا لجهة الكعبة المشرفة ودار معه المسلمون وكذلك المسلمات.
وأصبح كل الجمع باتجاه الكعبة وأصبحت صلاتهم نصفها باتجاه بيت المقدس ، ونصفها باتجاه الكعبة ، وتفشّى الخبر وشاع بين المسلمين وتغيّر الاتجاه في جميع المساجد .
هل كان الاتجاه في السابق إلى جهة بيت المقدس طوال هذا المدة إلى أن أصبح في سنة اثنين هجرية بعد نصف شهر رمضان إلى جهة الكعبة أم لا ؟

هناك رأيان ونظريتان
1/ القول الأول وهو المشهور جداً ولعله الحاضر في الأذهان أنّ الصلاة كانت في السابق باتجاه بيت المقدس إلى هذا التاريخ ، ثم أصبح التوجّه للكعبة المشرفة ، ولذلك المشهور عند المسلمين أنّ بيت المقدس هو القبلة الأولى ، هذا هو الرأي المشهور عند المسلمين وقد يستدلّ عليه بالإضافة إلى هذه الشهرة ما كتبه المؤرخون وأرباب الحديث في بعض ما ورد من طريق الإمامية ، ومن ذلك ما نقله الشيخ الطبرسي في كتابه (الاحتجاج) عن الامام العسكري عليه السلام الرواية التالية ( لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة أمره الله أن يتوجّه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان )2 إذن كان في مكة الاتجاه إلى بيت المقدس على هذه الرواية ، وكان يجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن في الأماكن التي يستطيع أن يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، مثلًا كان إذا صلى في نفس المسجد الحرام وقف خلف الركن اليماني تكون أمامه الكعبة وأمامهم جهة الشام لأنّ الشام في الشمال والمدينة في الوسط ومكة في الجنوب،
فإذا وقف النبي خلف الركن اليماني واستقبله يعني أنّه استقبل الكعبة واستقبل بيت المقدس وإذا لم يمكن حسب هذه الرواية استقبل بيت المقدس كيف كان ، وفي أماكن لا يستطيع فيها أن يستقبل الكعبة ولا أن يستقبل بيت المقدس مثلًا إذا صلى في بيته وبيت النبي يقع شرق الكعبة لا يستطيع أن يستقبل الكعبة وبيت المقدس فيبقى على استقباله لبيت المقدس ولا يستقبل الكعبة ، ولو افترضنا أنّ المسلمين عندما كانوا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات ، حيث كانوا محاصرين في الشعب، وكان شعب أبي طالب ليس في الجهة الجنوبية بالنسبة إلى المسجد الحرام وإنّما تقريباً في الجهة الشمالية فلا يستطيع أيضاً أن يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس، و إذا أراد أن يستقبل بيت المقدس ستكون الكعبة خلفه ، وكذلك عندما ذهب للطائف لم يستطيع أن يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس ؛ لأنهما جهتان مختلفتان فماذا يصنع هنا يستقبل بيت المقدس وإن لم يستقبل الكعبة هذا بحسب ما ترويه الرواية ، فكان رسول الله يفعل ذلك طول مقامه ثلاث عشر سنة في مكة إن استطاع أن يستقبل الكعبة ويستقبل بيت المقدس فإنه يفعل ، وإن لم يستطع يترك الكعبة ويستقبل بيت المقدس ، فلما كان بالمدينة وكان متعبّداً يستقبل بيت المقدس وينحرف عن الكعبة ، لأنّه أصبح في الوسط بين الكعبة والمدينة وبيت المقدس وإذا أراد أن يستقبل بيت المقدس وهو في الوسط يجب أن يعطي ظهره إلى الكعبة ، إذ أنّ الكعبة في الجهة الجنوبية والمدينة متوسطة ، وبيت المقدس في الجهة الشمالية فإذا أراد استقبال بيت المقدس يجعل الكعبة إلى ظهره وهذه رواية نقلها الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في كتابه (من لا يحضره الفقيه ) ولم ينسبه إلى إمام من الأئمة ، حيث ذكر أنّ النبي صلّى نحو بيت المقدس بعد النبوة ثلاثة عشر سنة بمكة ، وتسعة عشر شهراً في المدينة ، والمجموع حوالي أربعة عشر سنة وسبعة أشهر كان يتوجه إلى بيت المقدس ، إذن القبلة الحقيقية الأولى بناءً على هذا الرأي كانت هي بيت المقدس.

هذا الكلام قد أشكل عليه بسبب روايات صحيحة ومنها رواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يجعل الكعبة خلفه بمكة أبداً ، وبناءً على هذه الروايات ماذا كان يفعل رسول الله في الصلاة إن كان في بيته أو في شعب أبي طالب وفي رحلته إلى الطائف والروايات لا تستطيع الإجابة على مثل هذا السؤال ، ولكنّها تقول بأنّ النبي لم يجعل الكعبة خلفة بمكة أبدًا، وهذا الراي هو المشهور ولكن توجد حوله بعض الملاحظات إذ أنّه كيف يعقل أنّ الكعبة المشرفة التي هي بمنزلتها ليست فقط لدى الموحدين بل حتى عند الوثنين منزلة عظيمة والتي كانت محجة الأنبياء ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس )3
مثابة أي محل الرجوع والملجأ الذي يلتجىء إليه باعتباره بيت الله والكعبة المشرفة التي بناها إبراهيم قبل بيت المقدس بآلاف السنين ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت )4 وهي المكان التي حجّ إليه الأنبياء وشرّع فيه الحج وقصدها الأنبياء ، كيف يعقل أنّ النبي يكون في وسط مكة ومع ذلك يعطيها ظهره ولا يستقبلها ، وكذلك تكون على يمينه وتكون على شماله فإذن الرأي الأول وهو الرأي المشهور تقريباً وهو الذي عليه الأكثر ...