الإمام الهادي ومقاومة تيارات الغلو

أضيف بتاريخ 02/04/2022
Admin Post


كتابة الفاضلة سلمى بوخمسين

نتناول في مناسبة ذكرى وفاة الامام الهادي سلام الله شيء من سيرته الشريفة ودوره في حفظ الإسلام الأصيل .

ولادة الامام الهادي كانت في سنة 212 هجري في منطقة سرية في المدينة المنورة وهي مزرعة انشاءها الامام موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام واصبح أئمة من اهل البيت عليهم السلام يتوارثونها ويجلسون فيها ويجتمعون فيها مع اصحابهم وهي موجودة لوقتنا الحاضر.

بعد عدة سنوات ولم يطل الامر بالأمام الجواد عليه السلام حتى قام المعتصم بدس السم للأمام بالتنسيق مع ام الفضل بنت المأمون التي كانت زوجة للإمام الجواد عليه السلام وكان عمر الامام الهادي حينذاك ثمان سنين وانتقلت الإمامة اليه في ذلك العمر المبكر ، والغريب ان هذا الامر لم يثر إشكالات عند شيعة اهل البيت والسبب في ذلك انه قد سبقت تجربة عملية للإمام الجواد عندما تولى الامامة وعمره ثمان سنوات واشهر ،وفي ذلك الوقت كانت اول مرة تحدث فأثارت كثير من الإشكالات والاعتراضات ولكن الامام الجواد برهن لهم عمليا على ان قضية الامامة كالنبوة لا ترتبط بان يجب ان يكون عمر الامام كبير بل يصح ان يتسلم زمام الامامة وهو صغير ويتمكن من تحمل أعباء الامامة ومسؤولياتها فهي انتخاب واصطفاء الهي كما الحال في النبوة فالله اتى النبوة لعيسى وهو صبي وكذلك أعطيت النبوة  ليحيى وهو صبي وكذلك كما تثبت الروايات ان نبي الله سليمان كان عمره عشر سنوات حينما تسلم زمام النبوة ، نبي الله عيسى جاء بشريعة جديدة مبتكرة وهو صبي واعطي النبوة وهو في المهد ، اما بالنسبة للإمام الجواد فهو استمرار لإمامة اباءه واثبت بمناظراته مع علماء عصره بانه لديه مواريث الامامة فمناظرته مع يحيى ابن اكثم ومناظرته مع ابن ابي داوود الايادي قاضي القضاة في زمن المعتصم هذا من الناحية العلمية ومن الناحية العملية برهن لهم ان علم الكتاب لديه وهو في ذلك السن ،استشهد الامام الجواد وعمره 25 سنة وحينما جاء الامام الهادي وهو صبي صغير لم يناقش احد ذلك فوالده اثبت قدرتهم على تسلم زمام الامامة بالرغم من صغر سنه .

ولكن العباسيين ومنهم المعتصم العباسي أراد ان يوحي للناس ان هذا طفل فوكل به احد العلماء يسمى الجنيدي وهو يعتبر في زمانه من العلماء الجامعين من مدرسة الخلفاء في علوم اللغة العربية والفقه فطلب المعتصم من هذا العالم ان يعلم ويدرس الامام الهادي ، والمعتصم معروف ببغضه وكرهه لأهل البيت ففعل هذا الامر ليثبت للناس ان الامام الهادي لا علم لديه ولهذا أراد ان يعلمه ويثقفه ويربيه ،وأيضا من جهة أخرى أراد ان يبعد الامام الهادي عن الفكر الأصيل فكر اهل البيت ويبدله بفكر مدرسة الخلفاء ،وكما يذكر الجنيدي بانه جاء رجل من طرف الخليفة يسأله كيف وجدت الغلام الهاشمي  فقال له الجنيدي لا تقل الغلام الهاشمي بل قل هذا الشيخ الهاشمي الشريف فهو عالم هو يعلمني فانا أقول كلام وهو يكمل عليه ويعلمني أصول الدرين وهذا يذكر بابيه مع يحيى ابن الأكثم .

وفي تلك الفترة رجع اليه الامامية وكان الامام يمارس أدوار الامامة كأبيه تماما الى مدة من الزمان حتى اصبح عمر الامام 22 سنة وقد بقي في المدينة المنورة الى ان امر الخليفة العباسي بإحضاره فاحد جواسيسه في المدينة قال له ان كان لك حاجة في المدينة فاخرج علي ابن محمد فقد سيطر على قلوب اهل المدينة وجذبهم اليه بعلمه وبحسن اخلاقه ، فاستدعاه الى سامراء وقد كانت في ذلك الوقت سامراء هي عاصمة الدولة العباسية وكان المتوكل العباسي هو الخليفة والمتوكل كان من المبغضين للإمام امير المؤمنين علي عليه السلام واهل بيته ويتظاهر بذلك ويعلن بغضه وكرهه لأهل البيت بالرغم من وجود الموالين لأهل البيت في بيته واسرته فأحدى زوجاته كانت تدين بمحبة اهل البيت عليهم السلام وابنه المنتصر كان شيعيا وهو الذي قتله ،فقد قتل والده حينما راءه يهزأ بالأمام علي عليه السلام فقتله وهو يشرب الخمر مع وزيره وهو ما ذكره الشعراء في اشعارهم واثبتوا  ذلك بقول احدهم 

فلتكن منايا الكرام   بين ناي ومزهر ومدامي ( المدام هو الخمر )

بين كاسين اسقياه جميعا   كأس لذاته وكأس الحمام 

استدعي الامام الهادي عليه السلام  الى سامراء وابقاه في خان يسمى خان الصعاليك ليهينه ويقلل من شأنه فما ضره ذلك بشيء ثم بقي في سامراء الى ان قتله محمد المعتز ابن المتوكل العباسي سنة 254هجريه وكان عمر الامام 42 سنة واستمرت امامته 35 سنه وتعد امامته من أطول الفترات التي قضاها الائمة عليهم السلام في امامتهم فقد تسلم الامامة في عمر صغير .

ومن قام بقتل الامام لم تدم مدة خلافته الا 3 سنوات وعمره اقل من فترة امامة الامام فقد كان عمره 25 سنة فلم يحز على الدنيا فالأتراك عزلوه بعد تسلمه لزمام الخلافة 3 سنوات فقط ولم يحز على الاخرة بسبب بغضه وكرهه للإمام وقتل في نهاية الامر .

أدوار الامام عليه السلام أدوار مختلفة ومن اهم ادواره هو دوره في محاربة الغلو والأفكار الخاطئة في العقائد.

الغلو معناه تجاوز الحد في تقديس الانسان ونقله من مرتبة العبودية الى مرتبة الربوبية او نظيرها، وهذا ما وقع فيه المسيحيون فاشركوا حينما قالوا ان النبي عيسى جزء من الله فنقلوه من كونه انسان وعبد لله فحولوه الى معبود واله ورب وانه ثالث ثلاثة، هذا الغلو اذا نشئ في أي امة انحرف بها عن اهم قضية في الدين وهي قضية التوحيد فحينما ينقل شخص من كونه عبدا الى كونه رب او جزء رب فهذا شرك بالله مالم ينزل به سلطانا ولهذا في صلاتنا نثبت عدم اشراك الرسول في الربوبية فنقول في تشهدنا اشهدوا ان محمد عبده ورسوله.

في بعض الديانات حدث ذلك الغلو كما حصل ذلك في بعض الفترات من حياة الائمة انه وجدت بعض الفئات التي تمارس الغلو مع الائمة الاطهار وزاد عدد من يعتقد بذلك في زمن الامام الهادي عليه السلام.

والغلو موجود في كل زمن حتى في زمننا هذا لوجود منافذ كثيرة تدعوا للغلو واحد تلك المنافذ الروايات المفتعلة على أئمة اهل البيت عليهم السلام مثل روايات يذكر فيها ان الامام يرزق والامام يخلق وغيره من أفعال مختصة بالله سبحانه وتعالى او روايات تدعي ان الامام لا يجري عليه ما يجري على سائر البشر كحاجته لقضاء الحاجة او عدم انتقاض الوضوء وغيره من التنزيهات الباطلة.

والعقيدة الصحيحة البعيدة عن الغلو انه لو أعطيت صلاحية مميزة للإمام فهي من الله واعطيت للإمام  باعتبار عبوديتهم  لله سبحانه وتعالى وانهم مربوبون لله سبحانه وتعالى ،وهناك روايات تثبت ذلك كرواية الامام الرضا ( ان هناك جماعات من مخالفينا وضعوا فينا روايات على اقسام الغلو فينا والتقصير في امرنا وثلب اعداءنا فاذا سمع الناس روايات الغلو فينا قالوا ان شيعتنا يعتقدون بربوبيتنا فكفرونا ) ولذلك حينما سأل الامام الهادي عن بعض الروايات فيها غلو قال هذا ليس ديننا فاعتزله أي الروايات التي تتحدث عن الغلو في انفس أئمة اهل البيت يجب اعتزالها ونفي ما يرد فيها من أفكار منحرفة ، وطريقة السلامة من حدوث الغلو هو ارجاع الامر من القضايا الى العلماء المتبحرين بالذات في العقائد وعلم الكلام وللمرجعية الدينية للحكم على الراوي بالصحة او الفساد .

وفي زمن الامام الهادي عرف اشخاص مثل علي ابن حسكه وحاتم ابن فارس والقاسم  اليقطيني أمثال هؤلاء عرف عنهم الغلو في الائمة سلام الله عليهم .

لماذا يحدث الغلو عند البعض ؟ الأسباب مختلفة احدها ان الشخص لا يستطيع ان يوفق بين المنازل الكبيرة للأمام عند الله وبين كونه عبد كسائر العباد ،ويمارس الحاجات البشرية كقضاء الحاجة وغيرها .

واحد هؤلاء المغالين في الامام الهادي كان يقول الامام نبي من الله ومن ثم يقول بل يشارك الله عز وجل في صفاته المخصوصة .

الامام الهادي بلغ جميع الناس بان هذا الاتجاه باطل وحارب من يمارس الغلو واكد على ذلك بكلامه في الزيارة الجامعة التي يصف فيها الائمة وخضوعهم وخشوعهم لله تعالى  وتؤكد على ان الائمة عبيد لله فيقول (وعظمتم جلاله واكبرتم شأنه واحكمتم عقد طاعته )، فهم في اطار العبادة العلية والسامية .

فنرى الامام الهادي حارب الغلاة بل امر بقتلهم في بعض الحالات والسبب ان المغالي خرج من الوحدانية الى الكفر والشرك بالله.

الامام الهادي بقى اكثر فترة امامته في سامراء يداري أمور شعته ويتواصل معهم ويبلغ رسالة ربه وكانت تلك الفترة من اصعب الفترات التي عاشها الامام حيث سجن عدة مرات على يد الخلفاء العباسيين فقد كانوا على منهج واحد وهو البغض والكره لأهل البيت الى ان قام المعتز العباسي بقتل الامام الهادي سلام الله بد السم اليه .