ثلاث نظريات في صلح الإمام الحسن (ع)

أضيف بتاريخ 09/27/2020
Admin Post


 تفريغ الفاضلة أمجاد عبد العال

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول في هذه الليلة شيئا من شؤون الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وذلك لأن هذا الإمام العظيم، الذي هو السبط الأول لرسول الله (ص، والإمام الثاني، قد لا تتيسر الفرص للحديث عنه في مناسبات متعددة، ربما المناسبتان الوحيدتان للحديث عنه، ذكرى ميلاده (ع)، في شهر رمضان، وذكرى شهادته في مثل ليلة غد، بالرغم من أن حياته فيها مجال رحب وواسع للحديث وشخصيته المباركة الزكية، ينبغي أن يتحدث عنها، لا سيما مع كثرة الحملات الإعلامية من قبل أكثر من جهة في تاريخ المسلمين، حول هذه الشخصية العظيمة.

في الليلة القادمة إن شاء الله سوف نتحدث عن جانب ، وفي هذه الليلة سوف نتناول أبرز قضية حصل الاختلاف في تقييمها، وهي قضية الصلح الحسني. 

أبرز ظاهرة سياسية وعمل تم في زمان الإمام الحسن (ع)، هو الصلح أو المهادنة. طبعا لا يوجد فرق كبير بالرغم من أن البعض من العلماء أو الباحثين يتحفظ على عنوان الصلح، ويقول أن الذي حصل هو مهادنة وليس صلحا. ولكن يظهر أن لا سيما من الناحية اللغوية، لا يوجد هناك فرق واضح بين المصطلحين. صلح الإمام الحسين (ع) يمكن أن يتناول من ثلاث وجهات نظر: وجهة النظر الأموية، ووجهة النظر العباسية، ووجهة النظر الإمامية.

الوجهة الأولى: وجهة النظر الأموية، تفترض عدة أفكار فيما يرتبط بموضوع الأفكار، الآن للأسف، هي، هذه الأفكار، هي التي تشكل رؤية كثير من المسلمين تجاه دور الإمام الحسن، وتجاه شخصيته، وتجاه صلحه. هذه الوجهة الأموية، النظرة الأموية، تقول الأمور التالية: الأمر الأول: أن معاوية ابن أبي سفيان، هو الذي سعى لموضوع الصلح، هو كان يريد أن يصالح، سعى في أمر الصلح، دعا إليه، وجه إليه، إلى أن صار. هذا واحد. 

اثنين: أن معاوية ابن سفيان، نفسه، أعطى أموالا للإمام الحسن، في سبيل أن يتحقق هذا الصلح، الإمام الحسن طلب في رأي هذه الوجهة الأموية، الإمام الحسن كان يحتاج إلى الأموال، ومعاوية أعطى للحسن بن علي هذه الأموال، من أجل أن يتم الصلح، هاي الفقرة الثانية. 

الفقرة الثالثة: أن هذا الأمر صار فيه مصلحة كبيرة للمسلمين، وأن حال المسلمين صارت حال مجتمعة، بعدما كانت حال مفترقة، لذلك سمي هذا العام عندهم، ضمن رؤيتهم بعام الجماعة. فإذن الذي مارس كل هذا الدور، طبعا هذا يضيف أحيانا إليه، أن معاوية كان سخيا في إعطاء المال للحسن بن علي، من أجل يتحقق الصلح، وأنه كان حريصا على ذلك مهما تكلف من أموال، وكأنا يراد أن يقال: أن معاوية اشترى وحدة المسلمين بأمواله. 

هذه وجهة النظر اللي تقدم وتنتشر الآن في الكتب الرسمية، بل في بعض المناهج الدراسية، هذه وجهة النظر إذا تلاحظ فيها، سوف أن ترى: أن طالب الصلح الساعي إليه، الإنسان المسالم، هو: معاوية بن أبي سفيان، هو الذي طلب الصلح، هو الذي سعى إليه، طيب، عند هذا الجمهور رواية تقول: عن النبي (ص)، "أن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فبناء على هذه الرواية الموجودة عند مدرسة الخلفاء، النبي (ص) يصف الحسن بالسيادة وبأنه سيصلح الله به، هو يعني رح يكون أداة الإصلاح بين المسلمين. 

أنت لما تجي في النظرة الأخرى، تقول: أن الذي سعى للصلح وعمل عليه، وبادر إليه، إنما كان معاوية بن أبي سفيان، هذا يعني أنت تخالف هذا الحديث. الديث يقول: المصلح هو الحسن. أنت تقول: المصلح والمبادر والساعي والمتحرك في أمر الصلح كان هو الخليفة الأموي، هذي النقطة الأولى. 

النقطة الثانية: إذا تلاحظوا في هذه الفقرات التي رتبتها لكم ملخصة مما ورد في كلماتهم، سوف ترى أن الإمام الحسن (ع) في موقع إنسان منفعل، أعطي له المال، لكي يصالح، قبل الأموال، وكأنما هذه القضية لم تكن قضية مبدئية، أنت تخالفني، فلما أعطيتك أموالا كأنني رشيتك ببعض المال، انتهى الموضوع، وأنت إذن لم يكن حركتك وعملك وقيامك وحربك مبنيا على قضية مبدئية، لو أنه لو كان على قضية مبدئية ما رح يغيرها أن أنا أعطيك فلوس. فإذن يتبين من هذا أن الحركة الحسنية لم تكن قضية مبدئية. وأن معاوية لما رأى هذا الأمر، أعطى للحسن مبلغا من المال، فانتهى من الموضوع! أي تشويه للإمام الحسن أعظم من هذا التشويه! أنت لما يقول لك واحد مثلا نهض على طول من أجل نصرة الدين، أعطيته كم بيزة، سكت وتراجع، تقوله : شنو هذا! إذا فعلا إنسان مبدئي إما تترك العمل من دون فلوس، أو تواصل. أما لأني عطيتك مبلغ من المال، تركت كل شيء، هذا يتبين أنك إنسان مصلحي، تبتغي أهدافا مالية من وراء حركتك. 

والنقطة الثالثة: إظهار الخلفية الأموي، باعتباره هو الحريص على وحدة المسلمين، وعلى جمع كلمتهم، وأنه حاضر أن يعطي الأموال الطائلة بس حتى يتحقق حالة شنو؟ حالة وحدة بين المسلمين. هاي النظرة الأولى، النظرة الأموية. صيغت هذه في التاريخ الإسلامي عبر روايات بذكاء، بحرفية، بحيث أن ظاهرها ظاهر جميل، ودائما يؤتى بها باعتبار أن هذا تحقق وحدة المسلمين، وعام الجماعة، ويترضون عن الإمام الحسن، باعتبار استجاب للصلح، وقبل، وما ركب راسه. لكن عند التأمل بعد ذلك بقليل، سوف ترى: أن هذه في الفقرات أشياء غير صحيحة عن الإمام الحسن (ع)، هذي وجهة النظر الأموية. 

وجهة النظر العباسية، كانت أسوأ من هذا بكثير، وأشد من هذا بكثير، ولعلك تتساءل: يعني بين بني العباس، وبين بني علي، يفترض أن هناك صلة قرابة، أبناء عمومة هذولا، هذا العباس بن عبدالطلب، وهذا علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب، فأبناء عم، لكننا نجد الرؤية العباسية تجاه صلح الإمام الحسن المجتبى، كانت سيئة للغاية، أسوأ بكثير مما نقل عن الرؤية الأموية، وهذا اللي أشرف على صياغتها كان أبا جعفر المنصور العباسي، أبو جعفر المنصور، الخليفة الاثني بعد أبي العباس السفاح، إجا أشرف مباشرة على وضع هذه الرؤية بوثيقة مسجلة عليه. وذلك أن العباسيين دخلوا في صراع مع الحسنيين. 

أيام الدولة الأموية، صار توجه ضد هذه الدولة، تحركات مخالفة لها، بنو هاشم، اجتمعوا على أساس أنهم يطلبون، يدعون إلى الرضا من آل محمد (ص)، ويعارضون بني أمية، ويريدون تحريك الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة انحرافات الخلفاء الأمويين، فصار عندهم ما يشبه الاتفاق، وكان من ضمن هؤلاء بني العباس، ما يشبه الاتفاق على مباسعة محمد بن عبدالله بن الحسن المجتبى، حفيد الإمام الحسن المجتبى، ابن ابنه، الحسن عنده: عبدالله، عبدالله عنده محمد، هذا يسمونه: النفس الزكية، عرف في التاريخ بهذا. فوقع اختيارهم عليه على أنه هذا أولا: من ذرية رسول الله (ص)، ثانيا: كان عنده مقدار معتد به من العلم، عنده شجاعة، سلوك طيب، فإذن هذا من ينطبق عليه وصف: الرضا من آل محمد، يعني: لمرضي من قبل هؤلاء، شخص مرضي وهو من آل رسول الله (ص)، فهذا احنا نجي نبايعه. وكان من ضمن من بايع أبو جعفر المنصور. الإمام الصادق (ع)، في ذلك الموقف، أعلن أنه: هذا أمر لا يتم. يعني سالفة أنه خلافة تصير، وأن محمد ذو النفس الزكية رح يصير خليفة، وغير ذلك، هذا ما راح يصير، وبالتالي هو ليس شريكا في هذا الأمر. 

المنصور العباسي وعدد من بني العباس جاؤوا وبايعوا محمد النفس الزكية، بيعة شرعية ملزمة لهم المفروض،فالآن أصبح هذا محمد ذو النفس الزكية إمام والمنصور شنو؟ مأموم. لما العباسيون سيطروا على الحكم، عندهم هاي نقطة الضعف، أنه في أعناقهم بيعة لمحمد ذي النفس الزكية، محمد النفس الزكية أعلن أنه لا يرتضي حكم بني العباس، واختفى، يدعو إلى النهضة ضدهم، طبعا العباسيون ظلوا يطاردونه، سجنوا أباه، سجنوا أخوته، سجنوا حتى النساء، في قضية مفصلة يذكرها بعض المؤرخين مثل أبي الفرج الأصفهاني وغيره. 

في سنة 144 هجرية، قبل شهادة الإمام الصادق (ع) بأربع سنوات، أعلن محمد النفس الزكية ثورته، ثاروا في الميدنة، وأهل المدينة أيضا صاروا معاه، في الكوفة أيضا صارت حركة وثورة ونهضة مؤيدة إله، فيما بعد أخوه إبراهيم بن عبدالله ثار في البصرة، في أكثر من مكان صار حركة مخالفة لبني العباس، مؤيدة لمحمد ذو النفس الزكية. 

المنصور العباسي واجه هذه الحركات بقوة شديدة جدا وقضى على أصحابها. الآن المعركة العسكرية انتهت، بس لا يزال إلى الآن كلام فيما بين الناس: منو الأحق بالخلافة؟ هنا تجي قضية الرؤية التي وضعها المنصور العباسي عن الإمام الحسن المجتبى (ع). فكتب إلى بني الحسن، رسائل، يتبادل وياهم، كتب لهم رسالة، جاء فيها، ما يخص هذا المطلب، الأمور التالية:

الأمر الأول: أما الحسن فما كان برجل. هذا مو رجال، واحد. اثنين: أنه أخذ مالا لكي ينزل عن الإمامة من معاوية. حتى يترك الإمامة، أعطاه معاوية شوية فلوس، وترك الإمامة، وخدعه بأن جعله وليا للعهد من بعده، هذه نقطة ثالثة. نقطة رابعة: ثم انشغل بعد ذلك بالنساء، يتزوج امرأة يوما ويطلقها يوما آخر. 

حتى تعرف من أين جاءت مثل هذه الأفكار. أول ما ذكرت، ذكرت في رسالة المنصور العباسي، واحد: أن هذا أصلا مو رجال! مو مال مواقف، مو مال تصدي. سوف نتحدث إن شاء الله ليلة غد عن شخصية الإمام الحسن (ع)، لكي نرى أي ألق، وأي سمو عند هذا الإمام العظيم. هذا كلام واحد. 

اثنين: أن هذا أعطوه أموال، ومو بس تنازل عن الخلافة، وإنما نزل عن الإمامة، يعني هذه خطوة متقدمة عما ذكر في المسألة الأموية. الأمويون في وجهة نظرهم لم يتحدثوا أن الحسن رجال لو مو رجال وأهل مواقف لو مو أهل مواقف، قالوا إجا وتنازل وأعطي مال حتى يصير عامل جماعة، ويصير وحدة، وإلى آخره. العباسيون على لسان المنصور قاموا بهتك الشخصية: أن هذا ليس برجل أصلا. ثم إنسان ياخذ فلوس على مواقفه، ثالثا: أنه خدع، إنسان مخدوع، عندما قال له معاوية أنه سيكون خليفته من بعده، وولي عهده. ورابعا: أنه رجل بعد ذلك انشغل بالشهوات والزيجات والطلاقات وإلى آخره. أنت ترى هنا المرحلة تقدمت إلى هتك شخص أكثر مما هو خلاف. يعني الحالة الأموية، كلش كلش تقول: الصلح زين، لكن اللي بادر فيه مو الحسن وإنما معاوية وأنه لأجل ذلك أعطى الحسن أموال كثيرة، بس أمر أن هذا انشغل بالزيجات أو بالنساء أو بكذا، أبدا ما مذكور في مثل وجهة النظر الأموية، هو من صناعة العباسيين.

هاي النقطة الثانية، طبعا مثل هذا الكلام هو أهون من أن يناقش، نقطة نقطة. إذا ما كان برجل فكيف يقول فيه رسول الله (ص) أنه سيد أولا، على الرواية الموجودة في مصادر القوم، "أن هذا ابني سيد"، رح نتحدث إن شاء الله في وقت، معالم السيادة وين. مو بس في هذه الدنيا، وإنما سيد لشباب أهل الجنة. (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). في أحاديث رسول الله عندهما يصفهما أنهما خير الناس من كل الجهات، جاء النبي (ص)، لذكره الشرف والصلوات، اللهم صل على محمد وآل محمد، حاملا الحسن والحسين على كتف، وصعد المنبر، وقال: "أيها الناس، ألا أخبركم بخير الناس أبا وأما وجدا وجدة وعما وعمة وخالا وخالة، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الحسن والحسين، أبوهما علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة الزهراء، وجدهما رسول الله، وجدتهما خديجة"، وبدأ بالحديث: "وعمهما جعفر وعمتهما عاتكة، وخالهما القاسم وخالتهما زينب"، ثم قال: "أيها الناس، خير الناس أبا وأما وعما وعمة وخالا وخالة، الحسن والحسين، ألا ومن أحبهما كان معهما في الجنة". اللهم اجعلنا من محبيهما واجعلنا معهما في الجنة. 

لما يجي خليفة المسلمين بحسب التعبير، ويقول هذا ليس برجل، ويقول هذا سيد في الدنيا وسيد شباب أهل الجنة في الآخرة، وخير الناس على الإطلاق أبا، يعني هذه الصفات ما تتوفر، لا في رسول الله، ولا في علي، يعني ما تقدر تقول: خير الناس أبا وأما وعما وعمة وجدا وجدة وخالا وخالة رسول الله، ما تقدر تقول هالكلام، ولا تقدر تقول نفسه في علي بن أبي طالب، لم تتوفر إلا في الحسن والحسين. فهنا أصلا يقول: ليس برجل، بينما النبي يقول: هذا سيد في الدنيا وسيد في الآخرة.

ثم لما يأتي إلى بقية الأشياء أنه هذا مثلا تنازل عن الإمامة ونزل عن الإمامة، الإمامة ليست عملا في شركة، حتى يمكن الإنسان أن يقدم استقالة منها، مثل النبي يقول خلاص أقدم استقالة وأتقاعد عن النبوة، أو الإمام يتقاعد. لا. المناصب الظاهرية، يمكن للإنسان أن يستقيل منها، كموظف، مهندس، طبيب، غير ذلك، تستطيع أن تتقاعد عن هذه الأمور، وتنزل. أما النبي يستقيل من النبوة لا يمكن، إمام يستقيل من الإمامة لا يمكن. الذي يمكن النزول عنه الخلافة الظاهرية، لكن تزييف هذا المعنى من قبل المنصور، قال: نزل عن الإمامة في مقابل مبلغ من المال

وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الأمور، ولا سيما في الأخير أن الحسن انشغل بقضية النساء يتزوج امرأة يوما ويطلقها في يوم آخر. رد الكثير من الباحثين على مثل هذه الفكرة وبينوا أن ما ذكر هو أقرب في بعض الأرقام إلى الجنون، هذا واحد، صاحب قوت القلوب يقول: تزوج 300 امرأة! شنو 300 امرأة، وفي الكوفة بعد، هي كلها في الكوفة بقي الإمام (ع) فيها 5 سنوات أو دون ذلك! شلون يقدر يتزوج واحد 300 وحدة، لا سيما بعلمنا أنه لا يمكن للإنسان أن يجمع بين أكثر من أربع نساء، ولو طلقها في اليوم التالي، ما يصير لازم تعتد عدتها، وفي أثناء العدة، بالتالي هي زوجة من زوجاته، فهذه كانت البداية لهذا الحديث، وإلا لو رأينا ما نقل وما ذكر من زيجات الإمام الحسن (ع)، لرأينا أنه ضمن المعدل والمتعارف عليه ذلك الوقت، الإمام الحسين (ع) المنقول عنه أنه تزوج ست نساء، الإمام أمير المؤمنين (ع)، غير الإماء، ثمان نساء، أما خارج هذه الدائرة، مثل الخلفاء والصحابة، فتعال تكلم عن 15، و20، وأقل وأكثر، شمعنى صار التركيز على هذه الجهة، ضمن الصراع السياسي، وظف هذا الأمر ضمن هذا الإطار. هذي الرؤية الثانية. 

الرؤية الثالثة، هي الرؤية الإمامية، وأول ما فيها، هو ما ذكره الإمام الحسن المجتبى (ع) عندما سئل: أنه لماذا صالح، فقال: علة مصالحتي معاوية هي علة مصالحة رسول الله لقريش في الحديبية. نفس الشيء. النبي (ص) صالح قريشا في الحديبية، نفس الشيء أنا صالحت، هذا نص أكو عندنا. نص آخر: عن الإمام الباقر (ع) يقول: "ما فعله الحسن بن علي من الصلح هو خير لهذه الأمة مما طلع عليه الشمس والقمر"، هالتعبير هذا: "خير مما طلعت عليه الشمس" عندنا يجي في موضوع الهداية: "يا علي، لأن يهدي بك الله رجلا خير لك ما طلعت عليه الشمس" يجي هنا أيضا أن ما فعل الإمام الحسن (ع) لهذه الأمة خير مما طلعت عليه الشمس، يعني لو كل واحد من أبناء الأمة ينعم عليه بنعم، الموجودة في كل ما تشرق عليها الشمس، ما تشرق عليه الشمس يعني كل الكرة الأرضية من بحار ومن أنهار ومن أشجار ومن معادن ومن أراض، هاي كلها أشرقت عليه الشمس، لو يزوع هذا بهالعنوان على كل واحد، ما فعله الإمام الحسن (ع) حسب هذا الحديث هو خير. ليش؟ 

خلينا نجي أول شي لكلام الإمام الحسن (ع) عن علة مصالحته، ويش وجه التشبيه؟ ما هو؟ عدة جهات، أنا أشير إلى بعضها، واحد من موارد التشبيه، أن النبي (ص) لما جاء إلى مكة، أراد أن يدخل، منعه القرشيون، احنا نريد ندخل، ليش تصدون عن المسجد الحرام، تقولوا حماة المسجد، تؤمنون السبل، ليش تمنعوننا، قالوا: ما تدخل هذه المرة. متى ندخل؟ السنة القادمة نسوي وياك اتفاقية، ترجع هذه السنة، هذه السنة لازم ترجع، إلى المدينة، وماكو زيارة إلى مكة في هذه الفترة. 

طبعا كثير من المسلمين ما كانوا مرتاحين، واحد. المشوار كله قطعه تقريبا، ما باقي إلا شيء، حديبية، ومكة شيء بسيط، وهذولا جايين من المدينة، أغلب المسافة قطعوها، يعني ثلاثة أرباع المسافة أو أكثر، فالآن احنا واصلين إلى هنا، نرجع! لا ما يصير، النبي (ص) قبل بذلك وعمل ذلك الصلح، ليش؟ 

النبي (ص) أراد أن يبين أولا: أنا النبي لست داعية حرب. ما عندي عطش للدماء، ما عندي حب في الفتك، ما عندي رغبة في القتال. أنتوا يا أياها القرشيون اللي لحقتونا إلى بدر، وجيتوا إلى أحد، تطاردوننا، وراغبون في القتال. اليوم توجه الناس إلى أن قضية السلام، قضية عدم الدعوة إلى القتال، شقد هي مهمة، قائد يجي، قائد من القادة، يركب راسه، ويقول لك: لا، نقاتل. نقاتل أرزاق الناس! أموال الناس! دماء الناس! هالكوارث اللي تسببها الحروب, ليش الإسلام أعلن راية السلام في كل شيء. تحيته اليومية، أنت فكر في هذا، أول ما تقبل على واحد ماذا تقول له: السلام عليكم. يعني أنا أبادئكم بالسلام، لا بالحرب لا بالقتال لا بالمعركة. أنا أرفع راية السلام عليك وأدعو الله أن يكون السلام عليك والله هو السلام والآخرة هي دار السلام والجنة دار السلام، فهذا اللي يروح وراء قضية القتال والحرب والعنف، اليوم العالم أصبح يدينه، ينفر منه، النبي يريد أن يفهم العالم أنه وإن إجوا وراي لكي يقاتلوني ويقضون علي، ولحقوني إلى المدينة، إلا أني لست متعطشا للدماء ولا راغبا في القتال، الغرض إذا اضطررنا، إذا اضطررنا للقتال، نحن نقاتل من أجل صيانة الدين، "اللهم لم يكن ما كان منا" كما يقول أمير المؤمنين "لم يكن ما كان منا رغبة في التماس شيء من فضول الحطام"، احنا جيين من أجل الدين، وقدر الإمكان، شعار: لا تبدأوهم بقتال. 

يوم عاشوراء، الإمام الحسين (ع) يقول: أكره أن أبدأهم بقتال. هم جايين إله، يطاردونه، يمنعونه، مع ذلك يقول: أكره أن أبدأهم بقتال. النبي هنا، كلها منهج واحد: النبي وعلي والحسين والحسن، يريد أن يقول: أنا لست داعية قتال وسفك دما، وكل ما قدرت أن أدفع القتال وأجلب الصلح والسلام سأفعل ذلك. النبي هنا طبق هذا بالرغم من معارضة قسم من أصحابه، إلا أنه قرر ذلك عليهم. 

الإمام الحسن هنا أيضا يقول: أنا علة مصالحتي هي هذه، أنا مو متعطش للدماء، مو راغب في القتال. إلا إذا اضطررت إليه، واحتجت إليه، هذا وحد. اثنين: النبي في الحديبية، أراد أن يسقط هذه الدعاية القرشية أنه احنا اللي اختصنا الله بخدمة بيته الحرام، وأنه احنا اللي نحافظ عليه، ونؤمن السبل، وما أدري كذا، ونخدم الحجيج وإلى آخره. سيقول لهم النبي (ص): أنتم تكذبون. احنا جايين مو لقتال ولا لعداوة، جايين بس نزور البيت ونطلع، مع ذلك أنتم رفضتمونا ومنعتمونا وصددتمونا عن هذا البيت، فإذن أنتم كذب، أنتم تكذبون في أنكم تؤمنون السبل وأن الله اختصكم في هذا البيت وما شابه ذلك. أنتوا مو قد هذه المهمة. 

الإمام (ع) أراد أن يفضحالطرف الأموي، أنت تقول: أنت الخليفة، والخليفة أولى الناس أن يلتزم بمواثيقه وعهوده، وستخلف ما ستوقع عليه في المستقبل. سيأتي الكلام، الآن ما تسع الليلة، في ليلة أخرى، أن الخليفة الأموي بعد ذلك خالف ما اتفق عليه، وأعلن أنه مخالف، سيقال له: هذا مو ذاك اللي يقال: أما الحسن فما هو برجل، الذي ليس رجلا هو الذي لا يفي بعهوده ومواثيقه. فيفتضح بالتالي، ولو بعد حين. هذه "علة مصالحتي" كما قال الإمام الحسن "هي علة مصالحة رسول الله لقريش". 

ثم أيضا بعد صلح النبي مع قريش، انطلقت الدعوة الإسلامية تنتشر هنا وهناك، ونفس الأمر حصل بالنسبة إلى الإمام الحسن، لأنه كان من البنود: أن لا يشتم أمير المؤمنين (ع)، وأن لا يتعقب أصحابه، وأن لا يؤخذ أحد منهم بجريرة سابقة، وأن يكون شيعة علي آمنين حيث كانوا وحيث ارتحلوا. وهذا تم لفترة من الزمان. ماكو كان قانون حسب التعبير، كان أكو قبل، معاوية صدر قوانين من هالنوع، لكن هذا الصلح قيد تلك القوانين، ووقف أمامها. ذكر علي (ع)، كان بالإمكان، فيما بعد حصل الانقلاب، لكن بهالمقدار من الزمان كان هناك محاولة لتضمين الحديث عن أمير المؤمنين (ع) وتضمين حياة أتباعه. 

فالإمام (ع) قام بهذه الأموروالتزم بها، والشاهد على أن صلح الإمام الحسن (ع) كان خيرا للأمة، والإما الحسن هو سعى وراه، هو سعى وراء الصلح، المبادرة منه، لا من معاوية، لأن الطرف الأموي كان طارح عدة أفكار، فكرة: أنه أنت يا حسن خذ اللي عندك وأنا آخذ اللي عندي، أنا على الشام وما والاها، وأنت على الكوفة والمدينة، كل واحد ياخذ قسم، أنت وجماعتك، وأنا وجماعتي، وكان هذا يعني تكريس الانشقاق في الأمة، الإمام الحسن لم يقبل ذلك. 

الطريق ما هو إذن: أن نتحارب. الحرب كانت مرفوضة. أو أن نتصالح، الصلح الذي وضع الوثيقة فيه هو الإمام الحسن (ع). وجعل موادها مناسبة جدا لشيعة أهل البيت (ع)، وإذا صار فرصة نتحدث عن بعض هذه المواد، وقد سبق الحديث عن جزء منها. 

فإذا شفنا أن الإمام الحسن يقول: علة مصالحتي هي علة مصالحة النبي لقريش، أو كلام الإمام الباقر: أنه خير مما طلعت عليه الشمس. فبعد تلك الأفكار من أنه أخذ فلوس وتنازل عن الإمامة وما كان برجل، تصبح نوعا من أنواع التهريج الإعلامي، لا حقيقة له في الخارج. فسلام الله على الإمام الحسن السبط الزكي أول الأسباط وثاني الأئمة، وهذا الإمام العظيم رابع المعصومين (ع)، بعد النبي وفاطمة وعلي قام بما ينبغي أن يقوم فيه، يشهد لذلك أن الإمام الحسين، وهذا سنشير إليه ليلة غد إن شاء الله، طيلة عشر سنوات، عشر سنوات، من سنة 50 إلى سنة 60 هجرية، التزم بنفس خطة الإمام الحسن ولم يغير فيها شيئا أبدا. عشر سنوات الإمام الحسين، بعد شهادة الإمام الحسن سنة 50، سار على نفس الطريق الذي مهده الإمام الحسن، عشر سنوات،لما تغيرت الظروف، مات معاوية سنة 60، أصبح الموقف يتطلب شيئا جديدا، فأعلن الإمام الحسين (ع) ثورته تلك.