أحفاد الإمام الحسن عليه السلام في وجه الطغيان

أضيف بتاريخ 09/27/2020
Admin Post


كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

    لايزال حديثنا فيما يرتبط بشؤون الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه وقد ذكرنا سابقًا بعض التوجيهات للفوائد الكثيرة المترتبة على ما عرف بمصالحة الإمام الحسن مع معاوية وعرضنا ثلاث توجيهات أن الإمام الحسن المجتبى ألزم الدولة الأموية بشروطه مدة حياته المباركة من بعد أبيه والتي هي عشر سنوات خلافًا لما هو المعروف والمشهور من أن الدولة الأموية ممثلةً في رئيسها قد أعلنت عدم الالتزام بشروط الحسن عليه السلام ونقلنا شيئًا من القرائن على هذه الفكرة والنظرية .

   هذه الليلة والليلة التي تليها سوف نتناول شيئًا من إسهامات أبناء وأحفاد ونسل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في الأمة الإسلامية من زوايا متعددة ، من زاوية إعلان الثورة على الظلم والظالمين والشهادة في هذا الطريق وتحمل الآلام والاضطهاد ومن جهةٍ أخرى في إنشاء وإقامة بعض الدول والكيانات السياسية في أكثر من منطقة في العالم الإسلامي وقد يكون لنا حديث في إسهامات أحفاد الحسن فيما يرتبط بالجانب العلمي والفكري والفقهي في مذهب التشيع .

     ونتناول في هذه المحاضرة الجانب الأول :

     بعد حركة الإمام الحسين عليه السلام وشهادته التي سلت ذلك السيف الثائر في وجه الأمويين قد لا نجد في تاريخ الحسينيين حركةً ثورية واضحةً مباشرةً باستثناء ثورة الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام في هذا المجال ، لكننا وجدنا كثيرًا من النهضات والثورات والحركات من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، وقد أوضحنا سابقًا أن هذين النسلين اشتبكا من جديد بعدما افترقا ، يعني بعد ما كان أبناء علي منهم الحسن والحسين فذلك النور العلوي المحمدي الإمامي افترق في شخصيتين عاد من جديد للاجتماع في زمن السجاد عليه السلام عندما تزوج فاطمة بنت الحسن المجتبى ، فاجتمع هذا النسل من جديد فصار من الإمام الباقر إلى الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف كلهم جدهم الإمام الحسن من جهة الأم والإمام الحسين من جهة الأب ، ولذلك فالإمام الحسن جد الباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري من جهة أمهم مثلما الإمام الحسين جدهم من جهة أبيهم .

   في الطرف الآخر النسل الفعال في ذرية الإمام الحسن أيضًا اجتمع فيه كلا العمودين وذلك لأن الحسن بن الحسن المجتبى ويعرف بالحسن المثنى هو ممن قاتل بين يدي عمه الحسين في كربلاء وجرح تزوج فاطمة بنت الحسين التي وصفها الإمام الحسين بأنها كالحور العين في الجمال وبأنها تشبه أمها فاطمة الزهراء عليها السلام في العبادة . ومنه تناسل هذا المد العلمي والثوري ، فكل من رأيت اسمه طباطبائي ومنهم المراجع كأسرة بحر العلوم ، صاحب العروة الوثقى وأهله كلهم طباطبائية وآل الحكيم أيضًا ، فكل طباطبائي صحيح النسب يعني أن جده الإمام الحسن من جهة الأب والإمام الحسين من جهة الأم . 

وعند الحسن أيضَا أولاد آخرين ونسل منهم أيضًا أحفاد لكن الجهة المؤثرة في التاريخ والتي سنبحث فيها هي غالبًا هذه الجهة . الذين كانوا من نسل الإمام الحسن من جهة الأب ومن نسل الإمام الحسين من جهة الأم . هؤلاء أول ما صنعوا أنهم فجروا ثورةً في وجه الدولة العباسية أيام المنصور العباسي بقيادة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ( المثنى ) والذي يلقب بمحمد ( النفس الزكية ) .وهذه أول ثورة علوية هاشمية تفجرت في وجه العباسيين ، ونعرض لها بشكل مختصر :

    سرق العباسيون جهود العلويين في مقاومة بني أمية فبنوا أمية على أثر الجرائم التي ارتكبوها بحق أهل البيت من جهة والظلم الذي مارسوه بالنسبة للأمة عمومًا أصبحوا وجهًا مكروهًا منفرًا لذلك كانت أي دعوة من الدعوات لمواجهة الأمويين تلقى قبولًا وصارت هناك حركات بدأ بها الهاشميون من نسل محمد بن الحنفية بن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصار لها دعاة . وانضم العباسيون إليهم باعتبارهم من بني هاشم وصارت أحداث لسنا في صدد تفصيلها التي انتهى بها الأمر أن العباسيين على أثر موت قائد هذه الحركة في ظروف غامضة صارت أسرار هذه الدعوة والحركة والثورة بيدهم وكانوا على أعتاب نهاية الدولة الأموية وبان عليها الضعف وهي على وشك الانهيار فبنوا هاشم بمن فيهم العباسيون من نسل العباس بن عبد المطلب وأيضأ من نسل أمير المؤمنين عليه السلام بالذات الحسنيين عملوا اجتماع للاتفاق على المستقبل وكان المرشح الأبرز في هذا محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية ، وكان معروفًا بالعلم والعبادة والورع وله مدحٌ كثيرٌ من الفريقين ، وهذا من الغريب ففي التعريف الشيعي له مدح وثناء وأيضًا عند المدرسة الأخرى نفس الكلام فصار الاتفاق على أن محمد هذا هو الخليفة . وربما في هذه الأثناء طرحت أمور من قبيل أن هذا هو المهدي باعتبار أن اسمه محمد وعند الفئة الأخرى أن المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، وطبعا عندنا الشيعة ليس كذلك لكن هذه الفكرة موجودة عند مدرسة الخلفاء . وهذا ينطبق على محمد بن عبد الله وهو من قريش من بني هاشم فهذا بالإضافة إلى صفاته الشخصية زاد من الالتفاف حوله . 

    وكما أن العباسيون ومنهم أبو العباس السفاح والمنصور العباسي لا توجد عندهم نفس المؤهلات الموجودة عند محمد النفس الزكية . فيبايعوه على أنه هو الخليفة والبيعة في ذلك الوقت ملزمة يعني مثل العقد لا ينفك وإذا فككته فأنت متمرد على هذا الأمر . وممن بايع كان المنصور العباسي وقد بايع محمدبن عبدالله النفس الزكية على الطاعة والإتمار بأوامره والسير خلفه ...والخ 

   وقد دعي الإمام الصادق عليه السلام كما في الروايات إلى هذه الجلسة ، فجاء الإمام عليه السلام ولم يشترك معهم ، فأولًا لا يمكن أن يشترك معهم في البيعة باعتبار أنه هو الإمام الحق المفروض طاعته ، فيجب على الناس مبايعته فكيف يأتي هو ليبايع واحد المفروض أنه من رعيته ؟

   أمر آخر أن الإمام الصادق عليه السلام بما لديه من العلوم قال إن هذا الأمر لا يتم وأن محمد بن عبدالله سيقتل وبالتالي من غير الممكن أن يكون هو المهدي والمهدي له صفات أخرى . وهنا لابد لنا أن نفرق بين أمرين بين أن الإمام الصادق عليه السلام يرى أن النهضة والثورة ضد بني أمية أو فيما بعد ضد بني العباس حق لأنهم ظلمة وأخذوا السلطة والحكم والقيادة من غير حق ولكن أن يقول أن هذا هو المهدي غير صحيح ... أو أن يبايعه باعتباره هورعية وذاك الإمام فلا يجوز له لأن هذا تخلي عن الإمامة لذلك بهذا المقدار لم يصنع الإمام عليه السلام .

    تطورت الأمور فيما بعد ففي المدينة محمد النفس الزكية وآل الحسن هكذا ولما سقطت الدولة الأموية على وقع قتال مثل أبي مسلم الخراساني ودعاة هذه الدعوة الجديدة وهؤلاء أيضًا جُيِروا لصالح العباسيين ، وفي الكوفة العباسيون استلموا الحكم ولازال أولئك في المدينة وأخذ الحكم أبو العباس السفاح وأصبح هو الخليفة وشيئًا فشيئًا تطور الأمر إلى أن قالوا أن هذا الحكم لنا فما شأن أولئك ؟

   ولما جاء المنصور العباسي فيما بعد كان عنده قلق أن في عنقه بيعة لمحمد بن عبد الله النفس الزكية فمن غير الممكن أن يتركه هكذا إما أنا أو هو ، فأخذ يطلبه طلبًا حثيثًا وحين ذهب إلى الحج وعطف على المدينة ذهب وسأل عبدالله بن الحسن : أين أبناؤك محمد وإيراهيم ؟ فقال : لا أعلم عنهم شيئًا فقد اختفوا خوفًا منك . فأصر عليه وقال لا علم لدي . بعد ذلك أمر المنصور العباسي بأن يسجن أبناء الحسن كلهم ، فسجنوا أولًا في المدينة ثم أُخذوا إلى العراق وسُجنوا في سجنٍ من أراد أن يتعرف على العذاب الشديد الذي لاقوه في هذه السجون فليقرأ كتاب مقاتل الطالبيين في هذا الفصل ( كيفية سجن أبناء الحسن المجتبى عليه السلام ) الكلام عن أنه مطبق تحت الأرض والقيود داخل السجن وأنهم كانوا يقضون حاجتهم في نفس المكان الذي ينامون فيه وفي بعض النقول أنهم كانوا مسمرين إلى الحائط فلا يتحرك ولا يعرفون الليل من النهار لذلك كانوا يجزئون القرآن إلى أجزاء وكان معهم واحد اسمه سيد علي الخير والد الحسين شهيد فخ كان يقرأ القرآن من مقدار معين إلى مقدار من حفظه فيعرفون أنه انتصف النهار ، فلم يكونوا يرون ضياءًا وقضايا جدًا متعبة إذا تتبعها الإنسان .

    المهم أدت شدة المطاردة والمطالبة والتفتيش عن محمد النفس الزكية أن يعلن ثورته في المدينة وأخوه إبراهيم الذي خرج من المدينة باتجاه البصرة أن يعلن ثورته في البصرة فهذا في المدينة المنورة وسيطر على الحكم وسجن الوالي العباسي وأعلن  للناس أنه نحن نسير فيكم على سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيرة علي بن أبي طالب وأن لا نظلم أحد وهذه المبادئ العامة .

    وثار أخوه إبراهيم في البصرة وصارت النتيجة أن العباسيين جردوا جيش جرار باتجاه المدينة واشتبكوا مع محمد النفس الزكية وكان ذلك الجيش يفوقهم بأضعاف كثيرة وهؤلاء قاتلوا ببسالة حتى استشهدوا . وفي البصرة أيضًا جردوا جيشًا فصارت معركة بين الكوفة و البصرة في منطقة باخمرا والتي ورد اسمها في قصيدة دعبل الخزاعي التي أنشدها للإمام الرضا عليه السلام . فانتهت هذه الثورة هكذا . قبلها كان الإمام الصادق عليه السلام  لما حُمل أبناء عمومته من أبناء الحسن إلى السجن أرسل لهم رسالة طويلة وممفصلة تقطر رقةً وتعاطفًا وألمًا لما أصابهم وبالذات إلى عبدالله بن الحسن والد النفس الزكية .

   طبعًا هنا ينبغي أن نشير إلى أن هناك خلافًا بين المؤرخين الشيعة والرجاليين في أنه هل هذه النهضة وهذه الثورة كانت على الخط المستقيم أم لا لأنهم لم يسمعوا كلام الإمام الصادق عليه السلام فهي ثورة خاطئة ؟ أو لأنهم طلبوا من الإمام الصادق أن يحضر معهم ويؤيدهم فما فعل ذلك فإذن هذه الثورة غير صحيحة وغير سليمة ؟

       من الكلمات الجيدة أنقل لكم ما ذكره المرحوم الشيخ عبدالحسين الأميني صاحب كتاب ( الغدير ) وهو مجتهدٌ ومحققٌ ويكفيه الغدير وإذا قيل صاحب الغدير ( قطعت جهيزة قول كل خطيب ) ينقل في كتابه الذي يرد فيه على كتاب محمد رشيد رضا والذي هو من علماء مصر ومن تلامذة الشيخ محمد عبده لكنه سلك المسلك السلفي وله كلمات عنيفة جدًا وشديدة جدًا ضد الشيعة والتشيع وغذا تيار في الأمة ضد الشيعة والتشيع ، فكان لديه كتاب اسمه (السنة والشيعة ) يتهجم فيه على الشيعة أنهم يكفرون محمد بن عبدالله النفس الزكية ويكفرون والده ويكفرون الحسين بن علي شهيد فخ ويصفونهم بالارتداد وهكذا ...

    فناقشه العلامة الأميني نقاش هادئ كعادته هنا وكعادة ذلك من العنف هناك فيقول له رأي الشيعة في هؤلاء الذين ذكرتهم فيقول : وأما الحسن بن الحسن ( المثنى) فهو الذي شهد مشهد الطف مع عمه الطاهر وجاهد وأبلى وارتث بالجراح فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقًا فحمله خاله أبو حسان أسماء بن خارجه الفزاري إلى الكوفة وعالجه حتى برئ ويعرب عن عقيدة الشيعة فيه شيخهم الأكبر الشيخ المفيد في إرشاده فقد قال : كان جليلًا رئيسًا فاضلًا ورعًا وكان يلي صدقات أمير المؤمنين في وقته وله خبرٌ مع الحجاج ذكره الزبير بن بكار ، وعَدَهُ السيد محسن الأميني العاملي من أعيان الشيعة في كتابه ( أعيان الشيعة ) .

     هذا الأب وأما عبدالله ( المحض ) ابنه فقد عده شيخ الشيعة أبو جعفر في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام وزاد أبو داوود أنه من أصحاب الباقر وقال جمال الدين المهنا كان يشبه رسول الله وكان شيخ بني هاشم في زمانه يتولى صدقات أمير المؤمنين بعد أبيه الحسن .

   فتوجد روايات ذامة وروايات مادحة في عبدالله بن الحسن فماذا نفعل هنا ؟ 

قال : الأحاديث في مدحه وذمه وإن تضاربت غير أن نظر الشيعة فيها ما اختاره سيد الطائفة السيد بن طاووس وهو أستاذ العلامة الحلي من صلاحه وحسن عقيدته وقبوله إمامة الصادق عليه السلام . وكان يقول ابن طاووس أن هذا الكلام الذي فيه ذمٌ له أو الكلام الجارح هذا لأجل نفي العلاقة بينه وبين الإمام الصادق حتى لا يتضرر الإمام الصادق . فيراد أن يقال للعباسيين أن الإمام الصادق ليس هو من حرك هؤلاء صيانةً للإمام عليه السلام وحتى لا يؤخذ بجريرته وبجرمه . قال : وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين من المدينة إلى العراق لسجنهم قال : كانوا عند مولانا الإمام الصادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين . وقد يوجد في بعض الكتب إنهم كانوا للصادقين عليهم السلام مفارقين وهذا محتملٌ للتقية لئلا ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين حتى لا يقال : هؤلاء من حركوهم . والإمام الصادق مع كل هذا الإظهار مع ذلك بعدما قضي على ثورة محمد النفس الزكية وقال المنصور : أنا قتلت كذا وكذا من بني هاشم لكن إلى الآن أبقيت سيدهم جعفر بن محمد ، وبعد ذلك حُرِق بيت الإمام الصادق وأُخِذ وسُجٍن وصُودٍرت أملاكه وكانت أملاك واسعة بعد هذه الحادثة . هذا والحال أن الإمام لم يظهر علاقةً بهم بل حاول أن يفصل نفسه فكيف لو أيدهم ؟

    على كل حال هذا كلام صاحب الغدير في كتابه الذي رد فيه على محمد رشيد رضا في تزكية هؤلاء وأنهم لم يكونوا مفارقين لأئمة الهدى وإنما طبيعة الوضع السياسي كانت تقتضي هذا الأمر ثم استشهد بكلمات الإمام الصادق التي رويت بسند معتبر عنده أن الإمام الصادق توجع لهم وتفجع لهم وأوصاهم بالصبر وما شابه ذلك .

  وهذا من باب الالفات لهذه الشبهة . 

وهم من أجداد ابن طاووس لأنه حسنيٌ .

    بعد هذه الثورة جاءت ثورة الشهيد الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ( شهيد فخ ) وجاءت في شأنه روايات كثيرة جدًا مادحة ومؤيدة من الأئمة المعصومين عليهم السلام . وهذا ثار في وجه الهادي العباسي ( وهؤلاء ينتخبون لهم أسماء كالهادي والمتوكل والمنصور ) وكلها كما قال الشاعر :

أسماء مملكةٍ في غير موضعها       كالهر يحكي انتفاخًا صورة الأسد        

     جاء الهادي العباسي وأخذ سياسة والده في البطش بأهل البيت عليهم السلام ، فمن يستطيع الوصول له كان ينتقم منه ومن كانوا بعيدين عنه عين عليهم والي شديد يحمل أحقادًا تاريخية وهو من العمريين كما قالوا وهذا كان كمن يستمتع بإيذاء أهل البيت عليهم السلام ، فكان مثلًا يجمع بني هاشم يوم الجمعة قبل الأذان بساعة ولا يخرجون من المسجد أو من الديوان إلا أن آذن لكم وكانوا يبقون إلى بعد صلاة العصر حتى يعرف من الموجود ومن منهم غائب وربما يدبر أمرًا ولا يقبل منهم عذر مريض أو ذاهب للعمرة أو غير ذلك فتأذى بنو هاشم كثيرًا .

   في المرحلة الثانية صار يكفل بعضهم بعضا كأن يكفل أحدهم الآخر فإذا لم يأت يأخذه مكانه بغض النظر عن أنه لماذا لم يأتِ . ودع عنك سائر الأمور من مصادرة أموال على أقل شيئ ومن إيذاء ونقل أنه رفع إليه شخصين شخص من أقاربه وشخص ينتسب إلى بني هاشم ، وجدوا كما ينقلون على ريبة فأمر أن يجلد قريبه سبع جلدات وأن يجلد الذي هو من أقارب بني هاشم سبعين جلدة وأن يشهر به بين الناس ، فكان لا يتحرك إلا بدافع الأحقاد .

    فهؤلاء كانوا يرون في الأصل أن الخلافة مغصوبة فكيف إذا أتى أحدهم على الجرح وشقه أكثر وأكثر فقال للحسين بن علي ( شهيد فخ ) أنت كنت مكلف بالحسن بن محمد النفس الزكية أين هو ؟ فرد عليه قائلًا : لو أمروك بأن تأتي بآل أبي الخطاب في يوم وحد لا تقدر على الإتيان بهم ، وأنا لا أعرف أين هو . فقال له : عليك أن تبقى هنا إلى أن يأتي . وظل عنده إلى قريب المغرب ثم قال له : أخرجك ولكن لا تأتني إلا وهو معك . وبالفعل ذهب وبحث عنه وجمع جماعته وقال لهم هذا الوضع لا يحتمل إلى متى نبقى بهذه الطريقة ؟ لا دينا سالم ولا دنيانا سالمة ولا أعراضنا سالمة إلى متى نصبر ؟ فلنعلن المواجهة مع هؤلاء وبالفعل جاء هو وجماعته ودقوا عليه الباب في الليل ، لأنه قال له تأتيني به في الليل فصدق وجاء له ليلًا وهجموا عليه وهذا من الرعب والخوف خرج وهو يفعل كذا وكذا ..... فسيطروا على الوضع وكان المؤذن يؤذن فقالوا له : أذن بحي على خير العمل ... فالتف ورأى جماعة مسلحة وحي على خير العمل شعار شيعة أهل البيت . وخوفًا على نفسه أذن بحي على خير العمل والتم الناس عليهم وبالفعل طردوا العباسيين من تلك المنطقة وسيطروا على الوضع هناك وأرسل لهم الهادي العباسي بعض قواده مع جيش كثيف واشتبكوا في منطقة فخ وهي على بعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات من مكة المكرمة واشتبك الجيشان وانتهت المعركة بمقتل هؤلاء لقلة عددهم وسبق أن ذكرنا أن مكة والمدينة من الناحية الاستراتيجية والسياسية غير مناسبة لنهضة ولثورة ولذلك كل الحركات التي صارت فيها انتهت لا مثل حركات الهاشميين ولا مثل حركات الزبيريين . مع أن الزبيريون صار لهم شياع كبير لكن مع ذلك ما استطاعوا عمل شيئ ماداموا في مكة والمدينة .

   فهاتان حركتان قام بهما بعض من أبناء الحسن المجتبى وبعض من نجى من معركة فخ وهو إدريس بن عبدالله بن الحسن المثنى استطاع أن يخرج من ذلك المكان إلى أن وصل إلى المغرب وأسس دولة الأدارسة في المغرب ولها حديثٌ خاص 

   المهم أن هؤلاء بعد أن واجههم الجيش العباسي الذي يفوقهم عددًا وعدةً انتهى بهم الأمر إلى الشهادة وقطعت رؤوسهم وحملت إلى بغداد إلى الهادي العباسي فيما قال عنه المعصومون عليهم السلام : ما كان لنا بعد الطف مصرعٌ أفجع من فخ . 

فكانت مشابهة بين المعركتين 

  فكلاهما اسمه الحسين بن علي 

  وكلاهما عددهم قليل فكانوا مائتين شخص في مقابل آلاف عند الجيش العباسي     

  أيضًا قطعت رؤوسهم هؤلاء كما في كربلاء وتركت جثثهم على الأرض ثلاثة أيام أيضًا حتى نزلت عليها الطير كما قالوا ولوحتها الشمس وما شابه ذلك .

   وعندما سمع عنه الإمام الكاظم عليه السلام ترحم عليه و قال : رحمه الله ، رحمه الله ، رحمه الله ، لقد كان عابدًا ورعًا صالحًا وأنشأ فيه شعراء أهل البيت عليهم السلام قصائد وقعت موقع القبول من أئمة الهدى صلوات الله عليهم .

   وطبعًا مثل هذه النهضات والثورات حتى ولو لم تنجح بمعنى السيطرة على الحكم لكنها أوقفت تمادي الظلمة في ظلمهم . فالظالم إذا كان يرتكب المظالم ولا يقف أحد في وجهه فإنه يستمر ويتعمق ويتوسع أكثر . بدل من أن يظلم عشرة يظلم مائة ، وبدل من أن يأخذ نصف أموالك سيأخذ كل أموالك ، لكن إذا وجد من يقف أمامه ويشهر السيف في وجهه ويعارضه سيرى المسألة وراءها من يقاوم ومن يعارض وهذه فائدة مثل هذه الأمور وإلا كان مثل حديث حمزة سيد الشهداء : ورجل قام إلى ظالمٍ فنصحه فقتله . وهذا بنفس المرتبة لأنه وقف وقال كلمة الحق .

    وقال الحسين عليه السلام : ( من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرام الله عاملًا في عباده بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعلٍ ولا بقول كان حقًا على الله أن يدخله مدخله ) . 

    فكانت هذه الثورات من أبناء الحسن ومن أحفاده قد أوقفت مسلسل الظلم والاضطهاد الذي كان بنو العباس يواصلونه في الأمة وساروا في ذلك على خطى عمهم الحسين وجدهم الحسين من جهة أمهم فاطمة بنت الحسين صلوات الله وسلامه عليها وعليه .