دور الامام الحسن العسكري وحياته

أضيف بتاريخ 12/26/2018
Admin Post


التاريخ: 15/3/1435 هـ

دور الإمام العسكري وحياته
كتابة الاخت الفاضلة انتصار الرشيد

قال تعالى في كتابه الكريم (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) آية 24 سورة السجدة
نتحدث في هذه الليلة عن سيرة وحياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وما قام به في خدمة هذا الدين والأمة ، ولمعرفة ذلك لا بد من إطلالة على الوضع الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية  عندما و صلت الإمامة للإمام حسن العسكري سلام الله عليه في حدود سنة 253 هـ أو ما بعد ها بقليل .
يتسم الوضع في الأمة الإسلامية  في الجهاز الرسمي المسمى بالخلافة بالضعف على كل المستويات هذه الخلافة وصلت لأدنى درجات الضعف في عهد الإمام العسكري .
خلال 12 سنة من أيام الإمام العسكري وبعضها في أيام الإمام الهادي تبدل سبعة من الخلفاء ، هناك خلفاء بمعدل كل واحد يبقى سنتين في هذه الخلافة وكان ينزع رغما عنه بواسطة الأتراك الذين تحولوا إلى ميليفيا عسكريه متنفذه وقويه .
كانوا هؤلاء الخلفاء ألعوبة في أيدي الأتراك  العسكريين حتى وصفوا الخليفة
             هذا خليفة في قفص بين وصيف و بغا              يقول ما قالوا له كما تقول البغبغاء
( الوصيف والبغا  تعني قائد عسكري تركي ) كانوا يأمران الخليفة بأوامرهما وهو الذي يطبق
هو عليه فقط ينفذ ليس خليفة بالفعل فإذا أعجبهم مسيرة الخليفة وأصبح طوع أوامر الأتراك وينفذ كل شيء أبقوه
وإذا  لا عزلوه وفي بعض الأحيان سملوا عينيه وألقوه أي يطمسون عينيه ويجعلوه يتكفف الناس
حتى قال أحد خلفاء  بني العباس:
أليس من العجائب أن مثلي يرى ما قل ممتنعا عليه         وتأخذ باسمه  الدنيا جميعا وما من ذاك شيء في يديه
يعني أنا أسمي خليفة المسلمين ويخطب باسمي  فوق المنابر ولا يصل لي شيء الأشياء القليلة تمتنع علي بفعل قوة هؤلاء الأتراك  العسكريين ، فوصلت الخلافة في صورتها الرسمية  إلى أدنى دركات القوة كمظهر وهذا له تأثير على موضوع الإمامة وموضوع الأمة .
أيضا هذه الخلافة التي أصبحت ضعيفة من الشكل الخارجي  ومن حيث الصورة الرسمية الموجودة تهتكت من الناحية الأخلاقية  صار الخليفة لا يتأبى أبدا  أن يتظاهر وأن يعرف عنه المنكرات ، من سبقهم من الخلفاء كانوا يعملون المنكرات لكن لا يتظاهرون بها ، أما في زمان الإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام صار الخليفة العباسي لا يمتنع أن يتظاهر بالمنكر و يشرب الخمر علانية.
نقلوا في حق المتوكل في بعض الكتب الغير محسوبة على أهل البيت عليهم السلام أن المتوكل العباسي  أمر زوجته أن تجلس في الديوان  فرفضت أن تخرج بين الناس بدون حجاب فما زال يصر عليها وهي ترفض حتى طلقها .
منية هذا المتوكل أنه في ليلة من ليالي الشراب هو ووزيره  كانا يشربان فجاءوا اللذين تآمروا على قتله فقتلوه واختلط دمه بزجاجات الخمر اللاتي كانت على تلك المائدة فرثاه بعضهم
هكذا تكون منايا الكرام بين الناي ومزهر ومدام  
بين كأسين اسقياه جميعا كأس لذاته وكأس الحمام
هذا المتوكل الآن اسمه محيي السنة  في دراسات بعض المسلمين لأنه ناصر أحمد بن حنبل وقاوم الاتجاه العقلي في الإسلام ، هذا الذي هدم قبر الإمام الحسين عليه السلام باعتبار البناء على القبور بدعة وغير جائزة  ولا يجوز أن يكون رمز للإمام الحسين عليه السلام .
الخلافة  ضعفت كهيكل بحيث أصبحت لعبة في أيدي العسكريين الأتراك وأصبحت مفرغة من مضمونها الديني والأخلاقي علانية ، ليس متدينين في الواقع ولا في الظاهر لا يخفون هذا الأمر
في زمان الإمام العسكري عليه السلام  المعتضد و المعتمد كلاهما شابان غران أحدهما عمره 25 والآخر 28 سنة  كانا يتظاهران باللهو واللعب والفساد هذا ترتب عليه شدة الضغط على أئمة أهل البيت عليهم السلام .
هناك معادلة يذكرونها علماء الاجتماع السياسي وهي كلما زاد ضعف السلطة في ذاتها  كلما زاد ضغطها على رموز المجتمع وعلى  القوة الفاعلة فيه
 يعني في بلد من البلدان إذا رأيت كثير من الناس معتقلون وتضييق شديد عليهم هذه ليست علامة قوة ولكن علامة ضعف نقرأ في الدعاء ( وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ) القوي مسيطر ، القوي مطمأن لوضعه  مطمأن لإدارته للموضوع بشكل كامل  لكن الضعيف الغير قادر يحتاج أن يظلم هذا  ويسرق هذا أو يسجن هذا  أو يقتل هذا وعلى هذا  المعدل وجدنا حجم العنف  في حياة الأئمة من نهاية حياة الجواد وحياة الإمام الهادي والعسكري  وأيام الإمام الحجة عجل الله فرجه  الشريف حجم العنف كان شديدا
الإمام الهادي اعتقل مرارا والإمام العسكري اعتقل مرارا أيضا مع العلم أن عمر الإمام العسكري 28 سنة  خلالها اعتقل عدة مرات ثم سم في آخرها
 سلطة ودولة لا تستطيع أن تتحمل وجود إمام  ليس بيده السلاح وليس بوارد الثورة الظاهرة المشهورة  لم تتحمله 6سنوات مدة إمامته و قبله كان أبية الهادي وفترة إمامته عليه السلام في سن مبكر
 تصور أنه يقتل في عمر 28 سنة  مراقبة واعتقال واقتيال بالسم يدل على أن  حجم العنف كبير وهذا يشير لضعف تلك السلطات وعدم قوتها 
نلاحظ في زمان الإمام العسكري عليه السلام  الحالة العامة للأمة وصلت إلى درجة كبيرة من الضعف  في جهة الخلافة على مستوى القوة الظاهرية من جهة  وعلى مستوى الالتزام الديني من جهة أخرى
فوجود الأئمة في ذلك الزمان كممثلين للدين الحقيقي ولمنهج جدهم رسول الله صل الله عليه وسلم  هذا الوجود كان يحسبه الخلفاء  عنصر معارضة لهم والناس ينظرون لهذا النموذج وذاك النموذج
يرون الخليفة أهل لهو ولعب  وفساد وعبث وانفاقات مالية هائلة من غير مبرر وعدم التزام ديني
ويرون في الطرف الآخر الإمام عليه السلام ممثل كامل التمثيل لأخلاق وشريعة المصطفى عليه السلام
لذلك من الطبيعي أن يسعى هؤلاء في التخطيط للقضاء عليه  والتخلص من الأئمة عليهم السلام 
ضمن هذا الوضع الإمام العسكري عاش هذه الفترة القصيرة والحرجة  قام بعدة أعمال ، أحد هذه الأعمال المهمة جدا إرساء نظام الوكالة عن الإمام عليه السلام في زمانه ،
في تلك الفترات زمان الإمام الهادي عليه السلام  وزمان الإمام العسكري كانوا الأئمة مغيبين بنحو من الأنحاء عن أتباعهم ، أولا أخذوا إلى سامراء وليس برغبتهم إشخصوا اشخاصا نقلوا بالقوة الجبرية  الغرض من هذا إبعادهم عن محيط التأثير الذي حولهم ، باعتبار كانوا في الكوفة منطقة شيعية ولا يكونوا في منطقة مثل المدينة  باعتبارها حاضنة للعلم  الأئمة يؤثرون في العلماء من خلال تدريسهم  لذلك يبعدوهم إلى سامراء وهي أشبه بمعسكر صنعه العباسيين من زمن المعتصم  لا يوجد بها غير العسكر وما يرتبط بهم وبعض العوائل  وليس للأئمة من أنصار هناك بالمستوى المطلوب ، فيريدوا إبعادهم  عن الشعبية وعن جمهورهم .
الأئمة عليهم السلام تغلبوا على ذلك من خلال إقرار نظام الوكلاء والوكالة الدينية  فنشط في زمانهم هذا النظام بحيث أن الأئمة عليهم السلام كانوا يعتمدون على هؤلاء الوكلاء في إدارة شؤون أتباعهم في الإجابة على الاستفسارات و الإجابة على القضايا الدينية والعقائدية والفقيه فيما يرتبط بالأمور الشرعية  وكأن الإمام موجود
كان عندهم وكلاء في قم  حيث كانت قم منطقة فيها وجود  شيعي مهم كان فيها علماء مثلا زكريا بن آدم القمي كانوا وكلاء عن المعصومين عليهم السلام  في الكوفة ،عدد من الوكلاء في بغداد ، عدد من الوكلاء في عدة أماكن أرسى فيها في زمن الهادي والعسكري عليهما السلام .
 نظام الوكلاء  تستفيد وتستخدمه المرجعية الدينية بناءا على نفس التوجيهات التي خلفها الإمام العسكري عليه السلام هذا الذي أرساه  الإمام العسكري وأبوه الإمام الهادي عليهما السلام
التخطيط لما بعد مرحلة الغيبة ،  ما بعد غيبة الإمام المعصوم ماذا يصنع الناس من الحضور ؟
الإمام العسكري أطلق مجموعة من التوجيهات، لما كان الإمام المعصوم غائب عن الأنظار تعيش في زمان الحضورأي وقت تذهب إلى الأمام تسأله عن شؤونك لكن سيأتي زمان هو زمان الغيبة ،غيبة الأمام المهدي ماذا سيصنع الناس ؟
 في زمان العسكري عليه السلام بدأ التفكير في هذا الموضوع  أثر عن الإمام سلام الله عدد من التوجيهات الخاصة بهذا المعنى  مثل التوقيع المشهور عمدة من العلماء في قضايا التقليد وما شابه ذلك (فأما ما كان من الفقهاء صائن لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه)
بالإضافة لقضية التقليد والرجوع للمقلد الديني  يقتضيها سيرة العقلاء  هناك نصوص شرعية في هذا المجال .      
نقطة أخرى قام بها الإمام العسكري
إنه كان يحضر الطائفة الشيعية بل الأمة لغيبة الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف وهذا في حدان متعارضان
من جهة الامام العسكري لازم يخبر عنه حتى يعرف الناس إمامهم الثاني عشر ومن جهة أخرى كان هناك خطورة على حياته لأن فكرة الإمام الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام  و أنه ابن الحسن العسكري كانت شائعة على مستوى الأمة  وعند العباسيين بشكل خاص  أي حكومة تدرس حياة أعدائها  ومنافسيها  لكي تقاومهم
والخلافة العباسية كانوا يعتقدون أن الأئمة عليهم السلام يمثلون خطر عليهم فلا بد أن تدرس حياة هؤلاء
من معرفتهم أن الإمام العسكري هو الإمام الحادي عشر إذا ينتظرون الثاني عشر الذي يفترض أن يكون صاحب النهضة العالمية وهو قائم ضد الفساد لذلك يجب أن يتربصوا به .
عندنا في الروايات أنه فرض على الإمام العسكري عليه السلام  بالإضافة للإقامة الجبرية فرضت عليه رقابه رجالية من الخارج وحملات تفتيشيه نسائية تأتي من جهات السلطة  لكي يروا هل يوجد من نسائه نساء حوامل  لأن إذا وجد سيكون منهم الإمام الثاني عشر
إذا الإمام في وضع فيه حدان صعبان  من جهة أنه يجب أن يخبر شيعته عنه حتى  لا يقال للإمام العسكري أن الإمام المهدي لم يولد كما في نظرية مدرسة الخلفاء التي تقول أن الإمام المهدي حقيقة من الحقائق الدينية الثابته لكن المهدي لم يولد وإنما يأتي في آخر الزمان ، طبعا يعتبر أشكال لأنه كيف يكون إمام ثاني عشر
وقد أكد المؤرخون والمحدثون أنه ولد من الإمام العسكري عليه السلام حتى في مصادر غير الشيعة
من جهة يجب على الإمام العسكري أن يفند أن الإمام المهدي قد ولد بالفعل فيخبر عنه ومن جهة أخرى إذا أخبر عنه  سوف ينتشر خبره وفي هذا تهديد بالخطر عليه  من قبل السلطة العباسية 
كان الإمام العسكري بين حدين صعبين ولذلك قام بمنوارات متعددة للجمع بين هذين الحدين
ولادة الإمام المهدي كانت بصورة غير طبيعية حيث لم يكن يظهر أثر الحمل على  السيدة نرجس عليها السلام خلال حمله وهذا يحدث حالات كثيرة من النساء لا يظهر عليها أثر الحمل إلا في وقت متأخر
إذا هذا موجود بالإضافة لاعتقادنا بالجانب الغيبي  ووجود مخطط الهي في هذا الجانب
عندما ولد الإمام المهدي عجل الله فرجه أمر الإمام العسكري بذبح ذبائح كثيرة ، في بعض الروايات أكثر من ألف رطل لحم ووزعها على بيوت خلص شيعته في سامراء عبر أنصاره حيث كان يوزعونها ويقولون لهم هذا بمناسبة ميلاد ولد الإمام العسكري محمد هذا كان نوع من الإعلان المحدود لشيعة أهل البيت حتى لا يتسرب الخبر ومن جهة أخرى كان الأمر مخفي عن عيون السلطة العباسية  وهذا تم من جهة تأمين حياة الإمام المهدي والإعلان عن مجيئه حتى يتعرف الناس على هذه الجهة
إذا الإمام العسكري قام للتخطيط لما بعد الغيبة عبر إطلاق مجموعة من التوجيهات الدينية والروايات في شيعة أهل البيت ماذا يصنعون في المستقبل في زمن غياب الإمام عليه السلام  وأنه أرجعهم للمرجعية الدينية المتخصصة بالإضافة إلى أنه أرسى نظام الوكالات الدينية في أيام حياته .
نلاحظ مع أن فترة حياة الإمام العسكري عليه السلام قصيرة إلا أنه ترك وراءه  مجموعة مهمة من الوصايا  تحتاج لدراسة خاصة تقريبا  اثنا عشر وصية ورسالة منها لبعض وكلائه مثل اسماعيل بن اسحاق النيسابوري  وكيله في الأهواز وكان أصلا والي ، أي أن هناك بعض أنصار أهل البيت كان لهم نفوذ وأماكن سياسية فمن الطبيعي أن يخفي ارتباطه بالإمام العسكري عليه السلام لكنه يستلم توجيهاته من الإمام العسكري
هناك وصية من الإمام إلى أحد أصحابه وهو النيسابوري فيها وصايا مهمة له ولمن حوله من شيعة أهل البيت عليهم السلام
هناك بعض الوصايا لعامة الشيعة لكي يلتفتوا لبعض النقاط كيف يتعاملون مع الآخرين  كيف يحافظوا على قضاياهم الدينية
وجود الإمام بما يمثله بخلق عالي واستقامة يراه الآخرون مثال حقيقي  أفضل من الخليفة الفاسق الذي لا يمثل من الإسلام شيء
نقل أن المعتمد أمر بسجن الإمام العسكري عليه السلام فسجن فترة من الزمان ووكل عليه رجل سيء معاملته قاسية  وكان المعتمد يوميا يسأل الموكل عن أوضاع الإمام عليه السلام  فقال له نحن سجناه مع مجموعة من المنحرفين  ومن شر خلق الله وأكثر أذى على المؤمن المتدين أن يحبس مع هذه النوعية ويقول الموكل للمعتمد صاروا من العبادة الكثير أي الإمام العسكري عليه السلام وهو في السجن أثر على هؤلاء السيئين  تأثير إيجابي وقلب حياتهم  وتحولوا إلى شخصيات سوية مستقيمة مما  دفع المعتمد لإخراج الإمام من السجن  خوفا من أن يكون له مجموعة من الأنصار داخل السجن، قال له أخرج من السجن قال لا أخرج إلا مع الجماعة التي  سجنت معي وبسببي  فأمر الحاكم بإطلاق هؤلاء معه
تعرض الإمام لعدة أنواع من الأذى والتفتيش في داره وانهى حياته بأن اقتيل من قبل هؤلاء الخلفاء اللذين  لم يرغبوا في الأئمة ، الجامع المشترك بين الأئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام قصر العمر  الأئمة السابقون معدل أعمارهم بين الخمسين والستين لكن الإمام الجواد والهادي والعسكري يتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين هذا مؤشر على حجم العنف الشديد الذي مارسته الخلافة  العباسية في ذلك الوقت تجاه أئمة  أهل البيت عليهم السلام ليس من الطبيعي  أن يموت انسان في هذا العمر القصير دون مرض قصر العمر هو العامل المشترك بين الأئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام يشير إلى مدى ظلم السلطة ومظلومية أئمة أهل البيت عليهم السلام لذلك ذهب الإمام العسكري عليه السلام ضحية هذه السلطة العباسية حيث قدم له السم  بواسطة المعتمد أو المعتضد فضل يعاني من حرارة السم إلى أن أثر في بدنه الشريف وفاضت روحه الطاهرة