الدور العلمي والسياسي للإمام الكاظم عليه السلام
أضيف بتاريخ 12/26/2018
Admin Post
التاريخ: 5/8/1435هـ
الدور العلمي والسياسي للإمام الكاظم عليه السلام 🏴
كتابة الأخت الفاضلة رملة الخضراوي
جاء في زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ( اللهم وصَلِّ على موسى بن جعفر إمام الأخيار ووصي الأبرار الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر بمواصلة الاستغفار ، ذي السجدة الطويلة والدموع الغزيرة والساق المرضوض بحِلَق القيود والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف والوارد على جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه سيدة النساء بإرث مغصوب ودم مطلوب وسمٍّ مشروب )
نعزي رسول الله وائمة الهدى ومراجع الدين وعموم المسلمين في ذكرى شهادة سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامته عليه ونتبرك في هذه الليلة بشيء يسير من حياته وخدماته للدين والأمة في محاولة للتعرف على بعض تلك الجوانب التي لا يحيط بها إلا من أراد الله له ذلك ولكن لا يترك الميسور بالمعسور .
الإمام الكاظم سلام الله عليه كانت ولادته وحياته في فترة من الفترات المهمة في تاريخ الأمة سواء على مستوى وضعها السياسي أو تشكل المذاهب الدينية والآراء الفقهية وكان له صلوات الله وسلامه عليه في هذا الجانب إسهام كبير في حفظ شريعة المصطفى صلى الله عليه واله من جهة وفِي تقديم النموذج الأمثل لهذا الدين من جهة أخرى ،
بالرغم من أن الصورة الانطباعية عند كثير من التاس أن الإمام الكاظم عليه السلام كان في أكثر عمره مسجوناً وأنه بالتالي لم يكن له ادوار مهمة في حفظ شريعة هذه الأمة إلا إن هذه الفكرة لا ريب كانت فكرة غير صحيحة .
الإمام الكاظم عليه السلام بالرغم من أنه قد سجن لفترات متعددة أنهاها بعض الباحثين المتتبعين إلى ما مجموعه ١٤ عاماً من الزمان الا أن ذلك لم يؤثر أثراً كبيراً على جانب تبليغه للرسالة وتربيته لجيل كبير من الرواة لو أردنا أن نأتي بحساب الأرقام مثلاً الإمام الكاظم عليه السلام يروي عنه ما يزيد على ٦٠٠ ستمائة راوي وتلميذ ومُحدَث ، تصوروا أن شخصاً يتخرج على يديه في مختلف فنون العلم من العقائد والتفسير وتفاصيل الأحكام الفقهية وقضايا تاريخ الأنبياء والأئمة والجدل والاحتجاج والمناظرات العقدية وغير ذلك يتخرج على يده أكثر من مائة طالب وراوي ومُحدِث هذا يعد شيئاً كثيراً نعتبره بين الأئمة المعصومين عليهم السلام في المستوى الثاني بعد مثل الامام الصادق عليه السلام الذي قيل ان الرواة عنه بلغوا أربعة آلاف راوي كما ينقل ذلك أحد مؤرخي الرجال وهو ابن عقدة الحافظ ،
ستمائة راوي ومُحدَث وتلميذ يعتبر في مقاس النهضة العلمية شيئاً كثيراً
أحاديث الامام عليه السلام المختلفة التي جمعها بعض العلماء في كتاب اسمه مسند الامام الكاظم عليه السلام في ثلاثة مجلدات ضخمة تتجاوز الآلاف من الأحاديث في مختلف فنون العلم بل ان الامام عليه السلام شهد مرحلة مهمة في تكريس المناهج الصحيحة في الفقه الاسلامي نظراً لأن فترة الامام عليه السلام شهدت فترة تكون مذهبين أساسيين ضمن إطار مدرسة الخلفاء ،
المذهب الحنفي الذي كان في بدايات تكونه وقوة هذا التكون أيام مؤسس هذا المذهب أبي حنيفة النعمان ثم تلميذه أبي يوسف الذي كان بينه وبين الامام الكاظم عليه السلام مناظرات ومناقشات أبان فيها الامام الكاظم عليه السلام كيف أن أحد ركائز هذا المذهب الفقهية وأحد مناهج الاجتهاد فيه لا تطابق الواقع ولا تهدي الى الصحيح وهو منهج القياس الذي يُقطع بعلّته ولم يُنص على علته ،
وينقل في هذا المجال عدد من المحاضرات بين الامام الكاظم عليه السلام وبين ابي يوسف أحد أكابر علماء الحنفية في ذلك الوقت في زمن المهدي العباسي ،
أراد المهدي العباسي ان يحشد من العلماء ما يواجه به طريقة أهل البيت قال لأبي يوسف القاضي جهز مِن مسائلك ما يصعب على موسى ابن جعفر الإجابة عليه حتى نجمع بينكما ، فاجتمع الامام الكاظم عليه السلام ويظهر ذلك ان اثناء ذهاب المهدي العباسي مع حاشيته إلى المدينة المنورة
فسأل ابو يوسف القاضي الامام الكاظم عليه السلام قال : هل تأذن لي في مسائلتك ؟
فقال : بلى ، قال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟
مسألة فقهية إن الانسان إذا أحرم باحرام العمرة أو الحج عند الإمامية اثناء قطع الطريق لا يجوزها التظليل على الأقل المسألة متفق عليها اثناءالنهار ،
هذه المسألة يفتي بها عند كل فقهائنا لايجوز تظليل المُحِرم أثناء قطع الطريق والمسافة في اثناء النهار ،
فأبو يوسف القاضي يسأل الامام الكاظم ما تقول في التظليل للمحرم ؟قال لا يصح منه ذلك أو لا يصلح ،
قال ما تقول اذا نزل في الخباء واستظل تحته وتوقف ونصب خيمته وتظلل بالخيمة؟ قال يصح ذلك ،
قال ما هو فرق هذا عن ذاك ؟
اذا التظليل غير جائز لماذا هذا لما دخل تحت الخيمة صار جائزاً له واذا ركب على الناقة وظلل على راْسه تقولون يحرم ؟ ما الفرق بينهما ؟
الامام عليه السلام اجابه بجواب نقضي حسب التعبير وبجواب حلي
الجواب نقضي احتجاجي عليه قال : ما تقول في الطامث التي لديها العادة الشهرية تقضي الصلاة ؟قال : لا
وتقضي الصيام ؟ قال نعم ، قال فأي شيء فرق هذا عن ذاك ؟
بل بالعكس المفروض الصلاة أكثر أهمية فلماذا لم تقض الحائض الصلاة وقضت الصيام مع أن الصلاة أعظم وأهم من الصيام ؟ فسكت ابو يوسف .
الجواب النقضي ما اله حل بالاستدلال ، قال انا اقول ذلك سمعناه من الرسول وهذا سمعناه من جدنا محمد صلى الله عليه واله ،
فبالذات في تلك الفترة بدأت هذه المذاهب تأخذ مداها المذهب الحنفي في ذلك الوقت مع أن أبا حنيفة توفي سنة ١٥٠ هجرية ولَم يعاصر من فترة الامام الكاظم عليه السلام الا سنتين فترة إمامته وجاء بعده تلامذته أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني ، فالإمام عليه السلام تصدى من الناحية المنهجية لتخطئة بعض المناهج الفقهية التي كانت تعتمد عليها تلك المذاهب ،
وهكذا الحال بالنسبة للمذهب للمالكي مذهب الامام مالك بن أنس الذي عاصر فترة طويلة من ايّام الامام الكاظم عليه السلام فكان المنصور العباسي ومن بعده يريدون فرض المذهب للمالكي على الناس ولكن لم يحصل هذا ،
فالإمام في هذه الفترة بالرغم من أنه في أواخر حياته تعرض لفترات طويلة من حياته قضى فيها السجن الا ان الفترة الاولى هي الاعظم فترة المدينة ،
الفترة الاولى في المدينة كانت مناسبة طيبة لنشر المعرفة الدينية وللدخول في مناقشة هذه المبادئ الفكرية والمناهج الدينية الحادثة والطارئة .
الفترات التي قضاها الامام الكاظم عليه السلام ولادته كانت سنة ١٢٨ هجرية ولذلك لما استشهد الامام الصادق عليه السلام كان عمر الامام الكاظم عشرين سنة ، استشهد الامام الصادق عليه السلام على المشهور سنة ١٤٨ ه وكان خلال عشرين سنة الامام الكاظم عليه السلام تحت رعاية أبيه وكان في ذلك الوقت قد برز كعالم من علماء أهل البيت وفقيه مبرز حتى ينقلون عن مناقشة بينه وبين ابي حنيفة النعمان عندما جاء لزيارة الامام الصادق عليه السلام قبل الدخول على جعفر أبن محمد لقيت غلاماً في فناءالدار ١٣ او ١٤ سنة فسألته يا بني ممن تكون المعصية ؟ هذه مسألة عقائدية ، قسم من المسلمين يقولون بأن الانسان مُلجأ للعصيان يقولون لأن الله خلق الانسان وخلق معه معصيته واستشهدوا بآية غير ناهضة (( والله خلقكم وما تعملون )) يعني حتى المعاصي خلقها الله تعالى ، وهذا تجريد للإنسان عن مسئولية العصيان ،
يذب المعصية على الله يقول الله خلقني وخلق المعاصي التي اعملها فسأل أبوحنيفة الامام الكاظم في ذلك العمر قبل إمامته ممن المعصية يا غلام ؟ قال : اجلس حتى اخبرك ، ابوحنيفة كان في عمر والده يعني باقي عشر سنوات ثم توفي وكان صاحب مذهب ، فالإمام الكاظم عليه السلام ثقة منه بنفسه بعلمه قال اجلس حتى أفهمك فجلس ابو حنيفة فقال له الامام عليه السلام : ان المعصية لا تخلوا من ثلاث أن تكون إما من فعل الرب والعبد أو من فعل العبد وحده فإن كانت المعصية من الله ( هو الذي خلقها وسواها ) فكيف يعاقب في القيامة عدوه على شيء الله صنعه ؟ هذا لا يكون ،
أو يكون الذي صدرت منه المعصية العبد والله فهما مشتركان في العقوبة فكما أن العبد يُعاقب كذلك الله يُعاقب على المعصية والشريك الاقوى احق بالعقاب وهذا لا يكون
فثبت ان المعصية لا تكون الا من العبد وحده .
في مسألة عقائدية كانت مطروحة في ذلك الوقت وروج لها الحاكمون لأنها مهمة بالنسبة لهم لكي لا يوجه العتاب لهم ولا الاتهام وهذا مسلم شجعه العباسيون وحتى الأمويون الذين قالوا : الله قتل الحسين كما قال ابن زياد لعنه الله ( أوليس الله قد قتل علياً ) في خطابه للسيدة زينب عليها السلام فردت عليه ( الله يتوفى الأنفس حين موتها )
فهذا المنهج شجع الحاكمون عليه حتى لا تقول للحاكم أنت مذنب وأنت مجرم وأنت سارق ومنحرف ، لا ، يقول لك الله هو من فعل ذلك ،
الأمام اجاب على هذه المسألة العقدية على كلام وسؤال ابي حنيفة
، الامام عشرون سنة في المدينة تحت ظل ابيه الامام الصادق عليه السلام ،
وبعد شهادة الامام الصادق نهض بأمر الإمامة إلى آخر حياته يعني قريب من ٣٥ أو ٣٦ سنة من العمر كانت فترة إمامته بعد فترة ابيه الامام الصادق عليهما السلام .
في هذه الفترة أول من عاصره المنصور العباسي المعروف بالمنصور الدوانيقي ، كان في اوج تنمره على اهل البيت عليهم السلام خصوصاً أن عهده
شهد عدداً من الثورات العلوية الحسنية ابناء الأمام الحسن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بالنفس الزكية ثار على العباسيين اخوه ابراهيم ثار في البصرة ، اخوه الثالث إدريس ابو عبد الله ثار أيضاً ووصل الى أطراف أفريقيا وفيما بعد تطور حتى صار عنده دولة اسمها الإدارسة هالفترة عشر سنوات تقريبا عاصر الامام الكاظم عليه السلام فترة المنصور وتقريباً عشر سنوات اخرى عاصر فترة المهدي العباسي كان شيئاً ما أخف وطأة من المنصور العباسي لانه كان فيه شيء من العبث واللهو وعدم الالتزام ،
أحياناً بعض الحاكمين نعمة اذا مو ملتزم دينياً لان يصير خطأه في الفروع بينما اذا زعم انه ملتزم دينياً يذبح ويقتل الناس بإسم الدين ويصادر الأموال بإسم الدين وهذه مصيبة عظيمة ،
هذا المهدي العباسي كان عابثاً وفيه فساد اخلاقي ولذلك لم يشدد كثيراً فاستفاد الامام الكاظم عليه السلام من هذه الفرصة فأخذ يبث علوم اهل البيت عليهم السلام بالرغم من هذه الحالة والسيطرة عند العباسيين ،مع انه في اواخر حياته بدأ بالتشدد وبالقتل وأخذ يصفي العلويين ،ايّام موسى الهادي العباسي وهي سنة واحدة فقط لوث فيها يده بدم الحسين بن علي بن الحسن المثلث من ابناء واحفاد الامام الحسن المجتبى المعروف بشهيد فخ والذي بعض أئمتنا عليهم السلام يقولون ( ما كان لنا بعد كربلاء مصرع اعظم من فخ )لأنه صار مقتلة ومجزرة عظيمة وأخذت الرؤوس الى الخليفة ،والامام الكاظم عليه السلام ترحم على هؤلاء الثائرين وذكرهم بخير ، وآخر الامر في زمن هارون المسمى بالرشيد ولم يكن رشيداً في واقعه ، ترى هذه الألقاب المهدي والهادي والرشيد والمنصور والمتوكل هذه القاب هي على عكس واقع من لقب بها ، كما قال الشاعر :
مما يزهدني في ارض أندلس
القاب معتضد فيها ومعتمد
القاب مملكة في غير موضعها ( كالهر يحكي انتفاخ في صورة الأسد )
هذه الألقاب هي هكذا معتضد ، معتمد ، متوكل ، رشيد ، هادي ، هذه كلها على عكس ما كان عليه هؤلاء في واقع الامر ،
في زمان هارون بلغ الامر أقصى مداه ، هنا كانت سياسة الامام الكاظم عليه السلام في كظم الغيظ
أهم القاب الامام موسى بن جعفر هو لقب ( الكاظم ) قسم من الناس يتصور ان الامام لقب بهذا اللقب باعتبار الجارية لما صبت الماء ووقع الإبريق على يد الامام لا يغضب عليها بل يكظم غيظه فقط بهذا المقدار هذا صحيح لكن الامر اكبر من هذا ،
هناك اعتقاد ان السلطة العباسية كان تستفز الامام الكاظم واتباعه وشيعته لكي يقوموا بتحرك انفعالي ضد الخلافة وآنئذ لما يتحرك الامام او شيعته سوف يتجرد عليهم جيش جرار يبيدهم عن آخرهم ويستريح منه
هنا يتبين عقل القائد وحكمته هل يستجيب لهذا الاستفزاز و يواجه ويلقي من يتبعه في بركان المعركة على هذا النظام او يمشي في مخططه الذي هو يريده بكظمه الغيظ ،ممكن الواحد لما يعتقل يحرك اتباعه ضد السلطة العباسية و تجي وتأخذهم كلهم ويسجنهم او يقتلهم
انتهى هذا النشاط والعمل .
وهناك قائد كالإمام يكظم يرى ما يغيظه من سياسات هذه الدولة والحكومة لكنه يعلم ان هذا طريق لاستفزازه او استدراجه واستدراج اتباعه للمواجهة حتى يبادوا عن آخرهم ،
يكون حكيماً يكظم غيظه يمضي في مخططه لا يستجيب للاستفزاز وهذا هو عين العقل والحكمة ،
لا حظوا بعض الثورات التي قامت ولعل منطلقاتها طيبة ومخلصة لكن لم يبق منها شيء قضي على الحسنيون الذين ثاروا على الدولة العباسية في فتراتها المختلفة كان قسم منهم ذوي نيات مخلصة وذوي شجاعة فائقة وتضحية مهمة ولكن لا يقدرون يواجهون دولة بهذا المقدار الجند والجاه والقوة فانتهت ثوراتهم وتوجيههم وانتهت حركتهم الفكرية .
الامام الكاظم بل الأئمة بعد الامام الحسين كانوا يمشون في مخططهم الرامي الى نشر الهداية النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام والتحية عبر نشر الاحكام الصحيحة والعقائد السليمة والفكرة الأصيلة
وتدعيم هذا الخط في الأمة باعتباره يمثل الامتداد لرسول الله صلى الله عليه واله ولولا مثل هذا الامر مثلاً لو الامام الصادق من البداية واجهزالمنصور لقضي عليه والامام الكاظم عليه السلام لو من البداية مع المهدي العباسي دخل في مواجهة لم نحصل على هذه المعارف الدينية بل اكثر من هذا كانوا يقدمون النموذج الصحيح للأمة ، حقيقة لو أن أهل البيت عليهم السلام لم يكونوا في تاريخ المسلمين لو ان الامام الكاظم لم يكن ولم يبرز علمه والامام الصادق والرضا لو فرضنا لم يكونوا ما الذي يحصل ؟ سيحصل ان نسخة وحيدة للإسلام ستصل الينا وهي النسخة الأموية التي يمثلها قطاع الرؤوس .
هذا هو الدين ، لماذا ؟ لان كل شيء كان يخدم ذلك الخط الى الحد الذي يأتي أحد من كبار المؤرخين وهو عبد الرحمن بن خلدون من كبار مؤرخي الاسلام وعنده مقدمته التي كل افكارها له او بعضها لابن مسكويه هو استطاع اعادة صياغتها لكن الآن متسالم عليه أن المقدمة لابن خلدون التي يتحدث فيها عن قيام الأمم ونهايتها وفلسفة بناء الحضارة وأفولها ،
اذا جاء لسيرة الرشيد يقول : يقولون عنه كلام غير صحيح من أنه كان مع الجواري وغير ذلك ، لا والله وهو الخليفة المأمون على الدين الذي كان يغزو سنة ويحج اخرى والذي لم يشهد بلاد المسلمين في تاريخها خيرا كالذي شهدته في زمانه ،
هذا المؤرخ الواعي المفروض الفاهم اللي عنده معرفة بأحكام المؤرخين فكيف غيره
اذا تتبع ما كتبه المؤرخون عن هارون الرشيد وعن إسرافه وشهواته وبذخه تعمل كتب وليس كتاب واحد ،
لولا وجود النماذج من الأئمة المعصومين لكان افضل ممثل الاسلام هارون الرشيد ، المتوكل العباسي ، عبد الملك بن مروان ،
لكن جاء أئمة الهدى عليهم السلام وعرضوا مساراً آخر وبينوا نموذج مختلف ولذلك هذا الذي اغضب الخلفاء منهم ، الخلفاء يعلمون ليس وارد ان يقوم عليهم بالسيف ، اذا كان هكذا لماذا يطاردهم بالسجن ؟ هو ما جاء لينافسك على شيء فلماذا انت تطارده وتسجنه وتنكل به ؟
لماذا تقول هذا الشجى المعترض في حلقي موسى بن جعفر ؟ يسمي الامام الكاظم عليه السلام
ينقل عن هارون أنه قال : لقد قتلت من آل علي كثيراً ولكن بقى هذا الشجى المعترض في خلقي - يعني موسى بن جعفر - العظم أحياناً يعترض بالعرض في الحلق وهذا مشكلة لا يطلع ولا ينزل ،
لماذا ؟ باعتبار انه نموذج وذاك نموذج آخر ، هذا ليس لديه أموال ولا دعاية مع ذلك تهفوا اليه القلوب ويقول : نحن حكام على ظواهر الناس وهؤلاء حكام على قلوب الناس ،
هذا النموذج الذي خلقوه تاريخياً وإلى الآن اذا نظر الواحد الى السيرتين الى سيرة الخلفاء والى سيرة أئمة أهل البيت نجد الفارق كبيراً بين السيرتين
يجد في هذا تمثيلاً لمنهج سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك لا يتحملون بقاء أئمة أهل البيت عليهم السلام ،
يأتي هارون للمدينة من ضمن الأشياء التي يريدون ان يدعموا بها سلطانهم قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه واله ،
يأتي هارون لمسجد رسول الله فيقول السلام عليك يا رسول الله يا بن العم افتخاراً لقرابته من رسول الله النبي ابن عمي وانه وارث له
فيسمع الامام الكاظم فيقول : السلام عليك يا جداه يا رسول الله
فيقول هارون للامام انتم تزعمون أنكم اقرب الى رسول الله منا ، والحال أنكم ابناء فاطمة وقرابتكم منه قرابة ابن عم عن طريق علي بن ابي طالب بينما نحن قرابتنا قرابة عم وهو العباس بن عبد المطلب ، قرابة العم اقرب من ابن العم فكيف تزعمون أنكم الأقرب وانكم ابناء رسول الله ؟ فاستعفى الامام من الجواب
لا يريد أن يواجه ولا يريد يخلق مشكلة من كل مواجهة لكن هارون اصر عليه ، قال الامام لي الأمان ؟ قال بلى ، قال الامام : لو خرج رسول الله من وراء هذه الأكمة أي التلة وخطب اليك ابنتك وقال زوجني بنتك أكنت مزوجه إياها ؟ قال بلى ولي الشرف بذلك من يمتنع عن التزويج من النبي !؟، قال : ولكنه لا يخطب مني ولو فعل لم ازوجه
قال : كيف ؟
قال الامام : لانه جدي ولا يصح ان يتزوج حفيدته
فرأى أن الجواب لا مجال أنه يناقش في أنه اقرب ، الجواب جاء لتدعيم الخلافة من نظرية القرابة وأنه نحن اقرب للنبي ،
وشاعرهم مروان ابن ابي حفص
نحن الوارثون للنبي والأقرب واهل الميراث
وجود الامام بالنسبة لهم تحدي في النموذج أنه كان نموذج يمثل رسول الله في علمه وهديه ، في طريقة حياته وهذا نموذج آخر يتسمى بإسم رسول الله ولا يؤخذ منه الا الاسم ، هذا النموذج لا علاج له الا ان يتخلص منه ، فبدأ أولاً بأن أراد سجنه وذكر عنه انه قال : يا رسول الله إني اعتذر اليك في أمر أريده فإن موسى بن جعفر أراد أن يشق عصا الأمة فأنا مضطر أن اسجنه ،أخذه بالفعل بعد رجوعه من المدينة أمر ان يؤخذ الامام موسى بن جعفر الى سجن في البصرة عند احد من بني العباس عيسى ابن ابي جعفر العباسي كان والياً على البصرة فأمر أن يؤخذ اليه ويسجن عنده ، البصرة لا يوجد فيها احد يعرف الامام فيبعد عن أقاربه ويبعد عن اصحابه وطلابه و معارفه ويجمد نشاطه .
أُخذ الامام الى سجن البصرة ومكث فيها مدة من الزمان ، هذا الرجل الوالي عيسى لم يكن يريد ان يتورط اكثر بدم الامام عليه السلام لذلك لما أرسل اليه هارون أن يدس اليه السم في طعامه في السجن استعفى من ذلك ، قال له : هذا الامر لا اقدر عليه وان شئت خذه الى اَي مكان آخر ، وهو رفع الى هارون ان هذا الوالي لين مع الأمام موسى ابن جعفر عليه السلام وهذا امر طبيعي ،
الانسان المستقيم الفطرة حتى لو كان عدوه الظاهري اذا رأى صفاء نفسه وحسن أخلاقه وعبادته لا يحب ان يتورط به الا اذا انتكست بصيرته وغلب عليه جانب الدنيا على الاخرة ، فاستقدمه هارون الرشيد الى بغداد فجعله في سجن الربيع بقي مدة في هذا السجن وفِي السجن برزت من الامام فضائل حتى نقلها أيضاً الوزير الربيع نفسه بل كان يأتي مع الرشيد ويشرفان على الامام من السطح فيجدان ان الامام صلوات الله وسلامه عليه قد سجد ذلك السجود الطويل خاضعاً لله عز وجل
بنقل المؤرخون ان الربيع التفت الى هارون فقال ما هذا الثوب ؟ قال له دقق النظر هذا ليس بثوب قال له الربيع هذا موسى آبن جعفر الكاظم ،
لا يزال هكذا منذ طلوع الفجر الى طلوع الشمس حالة عبادة عنده حالة توجه الى الله تعالى
فقال هارون مع تمام عداوته له : بلى ألا انه من رهبان بني هاشم ،
لابد وان يعترف في لحظة صفاء بينه وبين نفسه انه رجل متميز بالعبادة
الذي كان كما تقول هذه الزيارة :( يحيي الليل بالسهر الى السحر بالمنتجات والاستغفار والضراعات المتصلة الكثيرة )
ولكن أيضاً في الجانب الآخر :( المعذب في قعر السجون وظلم المطامير ذي الساق المرضوضة بحلق القيود ) هذه ساق الانسان التي خلقت لتخدم الانسان ٨٠ سنة او ٩٠ سنة وأكثر لكن اذا ما تعرضت الى قيد يرضها ويؤذيها
تصور داخل السجن وهو مسجون ومغلق عليه الباب ومع ذلك أيضاً يقيد بالقيود .....