كتابة الأخت الفاضلة إيمان ـ البحرين
ورد عن الإمام علي الهادي عليه السلام: ( السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ، وَمَهْبِطَ الْوَحْىِ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَخُزّانَ الْعِلْمِ، وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ، وَاُصُولَ الْكَرَمِ، وَقادَةَ الاْمَمِ، وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ، وَعَناصِرَ الاْبْرارِ، وَدَعائِمَ الاْخْيارِ، وَساسَةَ الْعِبادِ، وَاَرْكانَ الْبِلادِ )
الحديث يتناول أحد عطاءات الأئمة، ومن ضمن هذه العطاءات:
الخطب:الخطب والرسائل تعمل كخارطة طريق كالرسائل التي يعطيها الإمام الصادق (ع) لشيعته، فيها تعليمات يلتزمون بها بعد كل صلاة مثلا،فالرسائل إما توجّه لشخص أو لعدة أشخاص، من ذلك أيضا ما وجهه الإمام الصادق(ع) للنجاشي أحد أصحابه الذي كان واليا على الأهواز في حل مسألة عقائدية كانت موجودة هناك وهي قضية الجبر والتفويض، ونظر أهل البيت لها.
الدعاء: أما الطريقة الثانية هي الأدعية التي هي مخزن علمي عقائدي ديني، جعل الأئمة طريقة لتعليم أتباعهم عبرالدعاء، فعندما تقرأ الدعاء لا تقرأه للثواب، فالثواب والتكامل الأخلاقي وتحقيق العبودية لله هي أحد الدرجات ولكي نفكر في المخزون العلمي الديني، كدعاء كميل والصباح، وأدعية الصحيفة السجادية هي معارف دينية.
الزيارات: هي طريقة لمعرفة الدين، ومن أعلاها الزيارة الجامعة الكبيرة؛ ذلك لأن راويها موسى بن عبدالله النخعي جاء للإمام الهادي وقال له يابن رسول الله علمني قولاً أقوله، بليغا كاملا إذا أردت زيارة واحداً منكم، فمن الممكن السلام بالطريقة العادية (السلام عليك يا أبا عبدالله) ولكنه يريد موسوعة تبين أدوار وأعمال أهل البيت وهذا يحتاج لتفصيل وبلاغة، فالإمام قال له إذا أردت أن تزور واحداً منا، فكبر الله ثلاثين، ثم تقدم خطوات وكبر الله ثلاثين، حتى إذا وصلت القبر فكبّر الله أربعين مرة وهذه تمام المائة.
قال بعض العلماء إن هذا يريد إعطاء للزيارة إطار، فكل ما هو موجود يكون الله أكبر منهم، ولا يذهب أحد للغلو، فقبل الزيارة ذكر نفسك بأن الله أكبر من أن يوصف، كل شيء هو أدنى والله أكبر..
فهذه الزيارة طويلة نسبياً، ومن الزيارات المعتبرة عند الإمامية وذلك لعدة جهات،
إحداها: تأييد العلماء لها : فهذا كتاب الشيخ الصدوق الذي أورد كل ماهو حجة بينه وبين الله، وقد أورد الزيارة الجامعة مما يعني أنه يقر بصحتها وأنها حجة بينه وبين الله عزوجل.
وأما كلمات أعلام الآخرين فيها فكثيرة، أهل العلم والمعرفة سيعرفون سبب اختيار بعض هذه الأسماء؛ لأن كل اسم يشكل منحى في التاريخ الشيعي، وإلا فاستعراض جميع الأسماء سيطول بالأمر، فمنهم ما ذكره العلامة المجلسي صاحب بحار الأنوار المتوفى سنة 1111 هـ، يُحسب على المدرسة الأخبارية وهو من حفاظ الحديث، ولولا عمله في البحار لكان عمل هائل من روايات أهل البيت قد اندثر، ولم ينتخب الروايات بل جمعهم، ليأتي قوم آخرون بالتحقيق والتنقيد ، ومن يريد معرفة خبرته أكثر، يرجع لكتاب مرآة العقول (شرحه للكافي) حيث حقق الأسانيد بقوة، وعمل فيها عمل إنسان خبير، فالمجلسي ينقل: أصح الزيارات سنداً هذه الزيارة، وأفصحها لفظاً، وأبلغها معنىً.
الوحيد البهباني مؤسس الاتجاه الأصولي في تاريخ التشيع المتوفى 1206 هـ فهو الذي شيد أساس المدرسة الأصولية، هو يرسل الزيارة الجامعة إرسال المسلّمات، أي يتعامل معها في آرائه الفقهية باعتبارها نصا من المعصوم، ومثله الميرزا القمي المتوفى 1231هـ، كذلك له مسلك خاص، وكذلك الشيخ أحمد زين الدين الإحسائي من علماء الطائفة كان من معاصري صاحب الجواهر المتوفي في سنة 1241 هـ، والشيخ الأعظم الأنصاري1281هـ، غيرهم ممن رووا هذه الرواية...
المرحلة الأخيرة في المعاصرين، المرحوم الإمام الخوئي الذي هو من أشد العلماء تدقيقاً في أمر السند ورواته، يتعامل مع خصوص هذه الزيارة باعتبارها دليل فقهي في باب الطهارة، في نجاسة أعداء النبي والآل الكرام، يورد فقرات من الزيارات الجامعة باعتبارها نص من النصوص التي يمكن الاستدلال بها، ولديه كلمات سواء في صراط النجاة أو غيرها من الكتب يتبين فيها قبوله بهذه الزيارة، حتى على مستوى الاستدلال الفقهي الذي يحتاج له شروط كبيرة.
:. هذه الزيارة عند علمائنا القدامى والمتأخرين من الزيارات المعتبرة التي ينبغي الاعتناء بها، إضافةً لمتنها، فالكلمات الموجودة فيها، لفظاً ومعنىً، يشير لصاحبه ويعلن انتسابه إليه، فمثل هذه الكلمات لا تصدر إلا من عين صافية وينابيع مخلصة كما يقول السيد عبدالله شبر (رض)..
أهمية الزيارة الجامعة:
إن أهميتها تكمن في عدة جهات:
الظرف الزمني: فقد جاءت الزيارة في ظرف نشاط حركة الغلاة في زمن الإمام الهادي (ع) وقد استفاد الغلاة من ظروف التضييق التي أحاطت بالأئمة في بث الأمور الخاطئة، فسجن الإمام الهادي عدة مرات، والإقامة الجبرية التي فرضت عليه فترة من الزمان ولم يستطع أحد الالتقاء به، بالإضافة لانفصاله عن الشيعة في سن العشرينات أخذوه من المدينة المنورة إلى سامراء، وأنزلوه منزل غير مناسب له، حتى إذا نزل منزلاً مناسباً، مُنع من دخول الناس عليه، مما جعل الغلاة تستغل هذا الوضع والذي هو خارج أفق التشيع، لكي يحصل هذا المغالي على جمهور يستمع له ويتبعه، يؤلّه الإمام اعتقاداً منه بأن الناس ستلتف حول الإمام ولن تتركه، ومع الأسف هو يضر أهل البيت بقصد كان أو بغير قصد، فقد أتى فارس القزويني وعلي بن حَسَكة وقالوا بمقامات أهل البيت وأنها تختلف عما تعلمونه، حيث نزلوا من السماء بلا أجساد؛ إذ هم أجسام نورية ويساوون الله في أمورهم، وكان لهذا الشيء مقدمات حتى قبل زمن الإمام الهادي، فالأئمة يتعمدون القيام ببعض الأمور، فأمام الناس يقول مثلا أعطني الإبريق لكي أدخل بيت الخلاء، لا حاجة لذكره أنه سيدخل بيت الخلاء ولكن لكي يوضح الإمام أنه بشر، فيقول الإمام (إنا عبادٌ مربوبون مخلوقون، لا ترفعونا فوق منازلنا، إنا نأكل الطعام، ونمشي في الأسواق( نعم لديهم اتصال علمي ووحياني من الله، وهم ورثة جدهم رسول الله محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، لذلك هذه الزيارة من أولها لآخرها، لا تكون فيها كلام بأن أجسامهم مختلفة أو أنهم آلهة، وإنما غالباً ماتركز على أدوارهم وأعمالهم: (اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ، وَالاْدِلاّءِ عَلى مَرْضاة اللهِ، وَالْمُسْتَقِرّينَ فى اَمْرِ اللهِ، وَالتّامّينَ فى مَحَبَّةِ اللهِ..( è كلها أعمال بشر، أفضل ما يعملون:( فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ، وَاَكْبَرْتُمْ شَأْنَهُ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ، وَاَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ، وَوَكَّدْتُمْ ميثاقَهُ، وَاَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ...(
:. الظرف الزمني الذي جاءت فيه الزيارة من الإمام الهادي، كانت ترد على حركة الغلاة التي انتشرت في ذلك الزمان، والذين كلم ما رأووا الظلم واقع على الإمام اعتقدوا بأنهم سيرفعون ذلك الظلم بالغلو لهم.
كلام الإمام الهادي عليه السلام واستجابته لطلب ذلك الراوي: وفي الوقت نفسه استجاب الإمام الهادي لهذا الرجال وأعطاه موسوعةً معرفيةً في فهم مراتب وأدوار أهل البيت صلوات الله عليهم.وهذا يشير إلى أن الراوي ليس شخصاً عادياً بل عالماً بأن أئمة أهل البيت لديهم عناصر وصفات مشتركة بحيث إذا زار واحداً تنطبق عليه هذه الزيارات، فقوله: علمني قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكمè فهناك نقاط مشتركة، إنْ زار الموالي أمير المؤمنين، انطبقت عليه هذا الزيارة، أو زار الإمام الكاظم انطبقت عليه، أو زار الإمام العسكري، انطبقت عليه، فهذه تعرف مقام أهل البيت بنحو بليغ وكامل.
شرح الزيارة الجامعة:
تولى عدد كبير من علمائنا شرحها (حوالي 30 شرحاً بين شرح مطول ومفصّل، وبين شرح مختصر) بعنوان شرح الزيارة الجامعة، فكثير من الكتب موجودة من علماء أهل البيت، ونشير لفهرسة عامة، مع ملاحظة إلى وجود بعض العبارات تحتاج إلى شيء من الشرح على يد عالم، وهذه مشكلة أن قسماً من الكلمات تحتاج لمستوى ثقافي ومعرفي معين حتى يتفهمها، أما إذا كان إنسان مبتدئ فيحتاج ليتعلم، وإن من يشكل على الشيعة في هذه الكلمات هو بحاجة لدراسة كهذه كلمات، فما ورد في الزيارة مثلا: (وَاِيابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ( يقولون بأنه خلاف ما جاء به القرآن في قوله: (إنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(، عندما ترى شبه هذا في القرآن فهو كثير، فمرة يقول القرآن: (للَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا( ومرة أخرى يقول: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ( وهنا يعني أن الملائكة هي الموكلة بالعمل، فيصح أن ينسب التوفي لله باعتباره هو الذي يأمر الملك ويعطيه القدرة، ويصح أن تُنسب للملك الذي هو المباشر، وهذا في العرف موجود، فتقول أنا بنيت بيتي، أو المقاول بنى لي بيتا، فالاستخدامان صحيحان، فقول القرآن: ( إنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) هذا ينتهي لعقيدة التجسيم والرؤية وهذا لا يمكن في عقيدة الإمامية، فلا يمكن أن يكون الله في جهة، فقول إلينا كأن يأتي الناس لجهة الله فيحاسبهم، وهذا يحتاج لبحث، فالقرآن ينسب العطاء لله وينسبه لرسوله مثلا، وهذه من الأمور التي تحتاج لتدقيق، ونشير لفهرسة عامة وهي:
فهرس مواضيع الزيارة الجامعة :
القسم الأول: التسليم على أهل البيت عليهم السلام: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ، وَمَهْبِطَ الْوَحْىِ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَخُزّانَ الْعِلْمِ(، فتشير هذه المقاطع للجانب الرسالي للنبوة، فنحن نسلم على جماعة ليست عادية، وإنما لها نحو ارتباط رسالي لله عزوجل، هم خزنة علمه، وفي بيوتهم نزل الوحي..
القسم الثاني: ثم يتحدث عن انتسابهم لله عزوجل لكي يقطع الطريق على من يريد الغلو فيهم فيقول:( لسَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ، وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ، وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ، وَاَوْصِياءِ نَبِىِّ اللهِ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ(..
القسم الثالث: ثم يتحدث عن موقف الإنسان الزائر المؤمن، ويتجسد هذا الموقف في ثلاث شهادات، فالشهادة تسجّل للإنسان عندما يقوم بها، والآن نحن نشهد شهر عظيم وهو شهر رجب الذي تكون أفضل العمرة فيه، وإذ نطوف حول البيت سبعة أشواط، وفي كل شوط نعاهد الله: (أمانتي أديتها، وميثاقي تعاهدته، فاشهد لي بالموافاة(، أي أن هذا الحجر الأسود الذي هو خلق من خلق الله، لديه قدرة على تسجيل وثبت وضبط، فأنا يا أيها الحجر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، جئت حاجّا ومعتمراً، فضع هذه القسم واحتفظ به لي، وفي الزيارات دائما نقول بأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لأننا نعم بأن هذه الشهادة تثبت لنا ويوافينا بها الله يوم القيامة، وفي الزيارة الجامعة:
(أَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ، لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى، اَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْـمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ الْمُكَرَّمُونَ الْمُقَرَّبُونَ( هذه شهادات تسجلها في الزيارات وهي تسجل لك.
القسم الرابع: بيان أدوار الأئمة بالنسبة للدين والخلق، فيقول أنتم: (الْمُتَّقُونَ الصّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطيعُونَ للهِ، الْقَوّامُونَ بِاَمْرِهِ، الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ( فهنا التركيز على الأدوار، فالعمل الذي قام به الأئمة، اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ، وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ، وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ، وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ إلى أن يقول: فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ، وَاَكْبَرْتُمْ شَأْنَهُ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ، وَاَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ، وَوَكَّدْتُمْ ميثاقَهُ، وَاَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، وَدَعَوْتُمْ اِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(
القسم الخامس: موقف الإنسان المؤمن وتعيين محله، فيقول: ( اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ اَنّى مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ، كافِرٌ بَعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ، مُوالٍ لَكُمْ وَلاَِوْلِيائِكُمْ، مُبْغِضٌ لاَِعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ( فإذا كان ذاك دور الأئمة بالنسبة للخلائق، فدورك هذا بالنسبة للإئمة، وكذلك مُبْطِلٌ لِما اَبْطَلْتُمْ، مُطيعٌ لَكُمْ، عارِفٌ بِحَقِّكُمْ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ، مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ، مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ، مُؤْمِنٌ بِاِيابِكُمْ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ، مُنْتَظِرٌ لاَِمْرِكُمْ، مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ، آخِذٌ بِقَوْلِكُمْ، عامِلٌ بِاَمْرِكُمْ، مُسْتَجيرٌ بِكُمْ، زائِرٌ لَكُمْ، لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ(.
فهذه شذرة من شذرات الإمام الهادي (ع) في تعريف الأئمة كلهم، وإلى الآن أتباع أهل البيت من المؤمنين والعلماء، يقول أحد العلماء أنا ماذهبت إلى مشهد من مشاهدهم إلا زرت بهذه الزيارة لأنها قولاً مفصلاً، بليغاً كاملا، وهذا جزء مما أعطاه الإمام لهذه الأمة لكي يعرفها بسادتها وقادتها، وكان حريّاً أن تتولى الإمام بأعلى درجات الحفاوة، ولكن مع الأسف يأتي الإمام من المدينة المنورة قسراً إلى سامراء حتى يوضع في مكان ذليل لإهانته والتقليل من شأنه، ولكنه لا يمكن أن يؤثر على النور ما حوله من أذى، فقد جاء رجل للإمام فرآه في ذلك المكان المتواضع وتأثر كثيرا، فقال له الإمام لا تحزن، لو أردنا لكنا هنا، فكشف عن بصيرته ورأى منازل النعيم الذي أعد لهم ولشيعتهم، ولكنهم يتحملون كل هذا من أجل شيعتهم.
الإمام الهادي في مجلس المتوكل العباسي:
بعد فترة تعرض الإمام للسجن وكانوا يتسورون بيته، ويأتي كم مرة به لمجلس المتوكل العباسي في مجلسه مجلس الشراب والمعصية، فيتسوروا على منزله ولا يدعونه حتى يفتح الباب، بل يدخلون عليه من الجدار فيرونه قد افترش سجادته يعبد ربه، فيقولون له الخليفة يريدك، فيقول: ريثما أغير ملابسي_حيث كان مرتدياً لملابس المنزل_ فيقول لهم دعوني ألبس، فيرفضون ويقولون أمرنا أن نآخذك على حالك، فأوتي بالإمام حاسر الرأس ويدخلونه على المتوكل الذي على مائدة الخمر ويقول للإمام اشرب معنا!! فيرفض الإمام بقوة، فيقول له إذاً قل لي شعراً، فحاول الإمام إقناعه، فأنشده (عليه السَّلام) وَ هُوَ جَالِسٌ عِنْدَهُ:
بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ *** غُلْبُ الرِّجَالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ
وَ اسْتَنْزَلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ *** وَ اسْكِنُوا حُفَراً يَا بِئْسَمَا نَزَلُوا
نَادَاهُمْ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمْ *** أَيْنَ الْأَسَاوِرُ وَ التِّيجَانُ وَ الْحُلَلُ
أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ مُنْعِمَةً *** مِنْ دُونِهَا تُضْرَبُ الْأَسْتَارُ وَ الْكِلَلُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سَاءَلَهُمْ *** تِلْكَ الْوُجُوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ تَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْراً وَ قَدْ شَرِبُوا *** وَ أَصْبَحُوا الْيَوْمَ بَعْدَ الْأَكْلِ قَدْ أُكِلُوا
أي اتعظ يا أيها الحاكم فيأتي يوم من الأيام، لا حول لك ولاقوة، تجول وتصول حولك دواب الأرض والحشرات ولا حول لك ولا قوة..قَالَ فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّتْ لِحْيَتَهُ دُمُوعُ عَيْنَيْهِ وَ بَكَى الْحَاضِرُونَ، وَ دَفَعَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السَّلام) أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى مَنْزِلِهِ مُكَرَّماً..
استشهاد الإمام الهادي على يد المعتز العباسي:
تكررت حالات الاستدعاء للإمام في أيام مختلفة، فذهب المتوكل العباسي، وجاء بعده المستعين وكان أسوء منه، ثم جاء المعتز وهو أسوء الجميع، فقدّم للإمام سمّاً نقيعاً قتّالا، لما تناوله الإمام وسرى في بدنه السم وقد كان ابن 42 سنة لم يبلغ من العمر، فسرى السم في بدنه وأوهي قواه، فبينما هو كذلك وقد حضرته المنية، مدّد يديه ورجليه، غمض عينيه، وأطبق فاه، وفاضت روحه الطاهرة..