كتابة الفاضلة ليلى الشافعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين ... اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي ، اللهم صل على محمد وآل محمد الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين
ورد في الحديث وفي الدعاء المروي عن الحجة عجل الله فرجه الشريف :( اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب )
هذا الدعاء الذي هو بمثابة توسلٍ من جهة ٍ وزيارةٍ من جهةٍ أخرى يذكرنا بمناسبة ميلاد الإمام الجواد عليه السلام وميلاد الإمام الهادي عليه السلام
سؤال عادةً مايتردد في الأذهان أنه لماذا ذكر هذان الإمامان في الدعاء بالرغم من أن شهر رجب شهد مناسبات كثيرة منها مولد الإمام الباقر عليه السلام ومولد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ومنها شهادة الإمام الكاظم عليه السلام ، فلماذا تم تخصيص الإمامين الجواد والهادي بالذكر ؟
الرواية والدعاء واردٌ عن طريق السفير الثالث للإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو الحسين بن روح النوبختي وكما تعلمون أنه في فترة الغيبة الصغرى كان هناك أربعة سفراء للإمام المهدي من أوضحهم وأبرزهم ولعله من أكثرهم آثارًا الحسين بن روح السفير الثالث وهذا له خصائص كثيرة لسنا في صدد التعرض لها لكن كانت تأتي من خلاله الأسئلة فيرسلها للإمام والإمام عليه السلام يجيبه عليها وتنتشر بين الناس ويظهر أن أحد الأسئلة كانت حول ولادة الإمامين الكريمين الجواد والهادي عليهما السلام وأن سائلًا يسأل عن شهر ولادتهما في أي الشهور كان فجاء الجواب بصيغة دعاء ( اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب ....) وفي هذا الجواب فائدتين :
الفائدة الأولى : توضيح الزمان وهو شهر رجب .
والفائدة الثانية : كون ذلك في ضمن دعاءٍ سوف يتلى ، إذ لو كانت الإجابة مجرد جواب عادي كأن قال الإمام أن ولادتهما كانت في شهر رجب لم يستفد المسلمون هذا الدعاء المفصل الذي يقرأ في شهر رجب المرجب ...
فإذن ولادة الإمام الجواد عليه السلام كانت في شهر رجب وجواب الإمام عليه السلام كان على قدر ما طلب من السؤال فليس المطلوب الحديث عن كل المناسبات الموجودة وإنما كان في صدد توضيح هذه الجهة وجاء التوضيح على صورة جواب وتوسلٍ وزيارة في نفس الوقت .
فالإمام الجواد سلام الله عليه كانت ولادته في سنة مائة وخمس وتسعون للهجرة وشهادته كانت سنة مائتين وخمس وعشرون للهجرة وهي فترةٌ من العمر قصيرةٌ جدًا وهذا الأمر طابعٌ يطبع المرحلة التي تلت مرحلة الإمام الرضا عليه السلام إلى آخر المعصومين فنحن نلاحظ أن أعمار هؤلاء المعصومين عليهم السلام لم تتعدى الأربعين إلا بقليل وهو على خلاف المألوف . فمعدل ما بعد الستين كما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام وقريب الستين كما هو بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام ، هذا المعدل الذي كان نجده ينخفض ليصل إلى الأربعين ودون الأربعين وهذا من العلائم والمؤشرات التي تؤكد أن قضية موت الأئمة عليهم السلام في هذه المرحلة لم يكن موتًا عاديًا وإنما كان بتدخل خارجي واعتداءٍ من قبل آخرين إذ أن عمر ثلاثين سنة مثلًا ليس معتادًا أن يتوفى فيه الإنسان الذي في الغالب يراعي القواعد الصحية كما هو الحال لأئمتنا عليهم السلام . فعمر خمس وثلاثين أو أربعين نفس الشيء فهذا يعطي علامةً جديدةً على أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كان قد دس إليهم السم وقتلوا بتدخل من قبل أعدائهم .
وصف الإمام الرضا ولده الإمام الجواد بالمولود المبارك والمولود الذي لم يولد أحدٌ أعظم بركةً منه على الإسلام وهذه كلمات مهمة جدًا وقيمة .
فلا بد أن نلاحظ ماذا كان لولادة الإمام الجواد من الأثر حتى يعتبره الإمام الرضا المولود الذي يتصف بهذه الصفة أن فيه أعظم البركةُ على الإسلام ، فنحن نعلم أن جميع الأئمة عليهم السلام كانت مواليدهم مباركة ولكن بهذا التعبير نجد في حالة الإمام الجواد شيئًا استثنائيًا ، ولعل ذلك راجعٌ إلى أن الإمام الجواد عليه السلام بولادته ثبت إمامة والده .
كيف ؟
بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام نشأت في الشيعة فرقةٌ تسمى بالواقفة وهم جماعةٌ وقفوا على الإمام موسى بن جعفر وقالوا هذا هو القائم وهو الذي سوف يظهر على الدين كله وهو الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا وأنه بعده لايوجد إمام وأنه لم يمت أساسًا لأنه الموعود أن ينصر الله به دينه فإذا كان كذلك فمعنى هذا أن إمامة الرضا غير صحيحة فإذا كان الإمام السابق لا يزال موجود وعلى قيد الحياة وهو الذي وعد العالم به فإذن لا يوجد إمام بعده وبالتالي فإن دعوى الإمام الرضا عليه السلام غير صحيحة .
ماهي معطياتهم واستدلالاتهم في ذلك ؟
قالوا : أن مما هو مرتكزٌ في الذهنية الشيعية أن الإمام لا بد أن يكون كاملًا ، فإذا كان كاملًا فمعنى ذلك ألا يكون عقيمًا ، فالإمام لا يمكن أن يكون عقيمًا لأن العقم نقصٌ في الإنسان فيما يرون والإمام ليس ناقصًا بل هو كاملٌ من كل الجهات . والمشكلة أن الإمام الرضا تأخر إنجابه للولد إلى فترةٍ متأخرة حتى كان كثيرٌ من الناس يسأل الإمام عليه السلام : متى يولد لك ولد ؟ فكان يتمثل بالقول :
لعلك يومًا أن تراني كأنما حولي الأسود الروابد
فإن تميمًا قبل أن يلد الحصى أقام زمانًا وهو في الناس واحد
يعني لا تستعجل فقد كان قبلي من المنجبين كثرةً تأخر بهم الإنجاب .
فلما تأخرت ولادة مولود للإمام عليه السلام كأنما هذه الفكرة بدأت تتثبت وتتركز في نفوس بعض هؤلاء الواقفة وبعض من يؤثرون عليهم فكانوا يقولون للناس أن الإمام لا بد أن يكون كاملًا والعقم يعني عدم الكمال وهذا إمامٌ عقيم يعني لا كمال فيه فيبطلون بهذا إمامة الإمام الرضا عليه السلام .
وحين تسألهم هل انقطعت الإمامة بعد علي الرضا ؟ يقولون : لا لأن الأئمة اثنا عشر وهذا ليس له ولد فإذن الإمامة منقطعة ، فكانت هناك شبهة كبيرة تكاد تتوسع والاعتماد فيها على أن الإمام لم يولد له ولد وهذا يعني أنه عقيم وعقيم يعني ناقص والإمام لا يكون ناقصًا . فلما ولد الإمام الجواد عليه السلام هذه الفكرة سقطت يعني فرقة الواقفية الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها في تثبيت موقفها وفي نفي إمامة الإمام الرضا تلاشت بمجرد ولادة الإمام الجواد عليه السلام لذلك كانت ولادته أعظم بركةً للإسلام لأنها بالتالي أصبح التشيع فوق الشبهات وأصبح بالإمكان الرد على أولئك وكنتم تحتجون بأن الإمام عقيمًا وهذا الإمام قد ولد له ولد وهو الإمام الجواد عليه السلام لذلك وصفه الإمام الرضا بالمولود المبارك والمولود الذي لم يولد أعظم بركةً للإسلام منه .
أمر آخر أثبت شيئًا في الإمامة لم يسبق وجوده وهي أن الإمامة لما كانت ربانيةً والعلم لما كان علمًا إلهيًا فلا يخضع للتدليس والأخذ والاكتساب ولا يخضع للزمان وإنما هو أمرٌ غيبيٌ ومنحةٌ إلهية فأول تجربة صارت في الحالة الشيعية من تولي إمامٌ إمامة وهو صغير السن كانت حالة الإمام الجواد عليه السلام وهذه أيضًا كانت مخاض عسير نظرًا لأنه صعب على كثير من الناس أن يستوعبوا كيف أن شخصًا في هذا العمر القصير ممكن أن يكون مأمونًا على الوحي وعلى العلم الإلهي وعلى الأحكام الشرعية فكانت المسألة مفاجئة بالنسبة لهم فلما جاء الإمام الجواد عليه السلام وكما قلنا قد تأخرت ولادته فمن الطبيعي أيضًا عندما استشهد والده الإمام الرضا عليه السلام كان في عمرٍ قصير . هنا الإمام الجواد واجه هذا التحدي بإبراز ما منحه الله من العلم ، فليس فقط ثبت إمامة نفسه وإنما ثبت إمامة من بعده لأن الإمام الهادي عليه السلام تولى الإمامة وهو صغير السن فلما جاء الإمام الهادي وهو صغير السن وقد عرف الناس عن أبيه الإمامة والعلم والإحاطة بهذا المستوى لم يتساءلوا عن إمامة الإمام الهادي فكانت ولادته بركةً في جهةٍ على إمامة أبيه الرضا وعلى إمامة ابنه الهادي صلوات الله عليهم أجمعين فلعل هذا منشأ لكلام الإمام الرضا أنه ما كان أحد أعظم بركة على الإسلام منه لأنه أهم قضية وهي قضية الإمامة في الدين والإمامة قد ثبتها الإمام الجواد في حق ابنه وفي حق أبيه صلوات الله عليهم أجمعين .
من كلماته عليه السلام نختار هذه الكلمة : ( المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظٌ من نفسه وقبولٍ ممن ينصحه )
ثلاثة أمورٍ يحتاجها الإنسان كي يصل إلى النتائج الطيبة
أولا : يحتاج إلى توفيق من الله فأحيانا كثيرة تجد زيد من الناس يبذل جهدًا ويكدح بشكل كبير ولكن توفيق من الله لا يوجد لديه فتراه كأنما ينحت في صخر فمع الجهد الكبير الذي يبذله إلا أن نتائجه نتائج بسيطة وقليلة وتجد إنسان آخر موفق من قبل الله عز وجل وعنده توفيق وتسديد على أثر حسن علاقته بالله عز وجل فهذا الإنسان في الدرس مثلًا يبذل جهدًا أقل ويحصل على نتائج أفضل . وفي التجارة يعمل بشكلٍ متوازن ويفوق غيره ممن يعمل عملًا كدًا .
ويحتاج الإنسان أيضًا إلى واعظٍ من نفسه لأنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ ، فنفسك اللوامة إذا لم تستيقظ في الليل وتحاسبك على ما اجترحته في النهار لا ينفعك تأذيب المؤدب ولا تعليم المعلم ولا وعظ الواعظ ، وضميرك الذي لا يستيقظ عندما تذهب السكرة وإذا لم يقرصك بقوارص الندم آنئذٍ لا تنتفع بأن تحضر هذا المجلس وذاك المجلس وتذهب إلى المقبرة وغير ذلك ، لا بد أن تحافظ على أن يكون الواعظ داخليًا قبل كل شيء . فمن الممكن أن واحدًا من الناس ليس عنده كلمات وزيد من الناس أبلغ منه في الكلام ولكن عنده قلبٌ سليم وعنده قلبٌ نظيف وعنده ضميرٌ يقظ لذلك بمجرد أن يرتكب الخطأ تراه يعود ويرجع إلى الجادة
وأخيرًا يحتاج إلى قبولٍ ممن ينصحه وهذا عامل خارجي فلا تقل لا دخل لك بي ولا تقول لمن ينصحك أدب نفسك أولًا مع الناس ، هذه كلها حبائل شيطان . اقبل ممن ينصحك حتى لو كان هو لا يعلم ولا يعمل بها . لماذا ؟ إن لم يكن هو أهل للحكمة والفضيلة فكن أنت أهلٌ لذلك فهو حتى إذا لم يطبق ما يقوله ، فعندنا في الرواية ( أن الحكمة لتلجلج في قلب المنافق حتى تخرج منه إلى المؤمن فتستقر ) فلعل ذلك الشخص وعاءه ليس وعاء حكمة ولا تقوى ولا فضيلة فكن أنت ذلك المقر الذي تستقر فيه الحكمة .
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا التوفيق وأن يجعلنا واعظين لأنفسنا متعظين وأن يوفقنا لقبول نصائح من ينصحنا إنه على كل شيءٍ قدير وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله الطاهرين